Montada Mraizeh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

رسالة من فوق التراب ( قصة حقيقية)

اذهب الى الأسفل

رسالة من فوق التراب ( قصة حقيقية) Empty رسالة من فوق التراب ( قصة حقيقية)

مُساهمة  كنعان كنعان الأحد أكتوبر 19, 2008 7:43 pm


رسالة من فوق التراب




هذه قصة حقيقية بطلتها صديقة لي لبنانية تعرفت بها في الأمارات العربية المتحدة
تبدأ أحداث القصة أيام الحرب اللبنانية في السبعينات , وتستمر الاحداث بعد معرفتي بها
وقد كان لي دورا ثانويا في القصة
طبعا الأسماء ليست حقيقية كما هي في الواقع ,,لقد غيرتها بناء على طلب صاحبتها
وباعتباري كنت ملما بقسم من الأحداث وشاهدا على القسم الآخر
استأذنتها بتأليف وكتابة الرواية ونشرها..

أرجو أن تنال اعجابكم وشكرا.




الإهداء :

إلى الصابرة على آلامها...
والمكابرة على جراحها..
إلى التي لم تفقد إيمانها
رغم ما ذاقته من كؤوس العذاب
إلى صاحبة المأساة

إلى ..سمـــر .
مع أصدق التمنيات بالتعويض عمّا فاتها
من سعادة و استقرار




1(رحلة الى الذاكرة)



في هدأة الليل الساجي, في كوخ صغير هناك..
في أحد أحياء تللك المدينة التي لا تنام..
جلست ( سمر) بقرب النافذة ..يصل الى مسمعها وقع أقدام المارّة,في طريقهم الى بيوتهم,بعد أن انتهى السهر.
نظرت الى ساعتها,كانت تقارب الرابعة صباحا.
لقد فارقها الرقاد, ولم يغمض لها جفن,أمضت حتى الساعة جالسة في غرفتها الصغيرة المتواضعة,تتصارع مع أفكارها, وتتشابك مع آهاتها و تنهداتها.
في الخارج الناس يعيشون أفراحهم,ويتنعمون بملذات الحياة, وهي قابعة بين جدران أربعة, تجّتر ذكرياتها, وتمضغ آلامها.
فجأة وبدون مقدمات, يقطع سكون تللك الغرفة,بكاء صغيرتها (ليلى)التي كانت مستسلمة للنوم.
اندفعت صوبها اندفاع قطة أحست أن صغارها في خطر,انتشلتها من على السرير,وضمتها الى صدرها بكل حنية
وبدأت تغني لها :
يللا تنام يللا تنام لدبحلا طير الحمام
روح يا حمام لا تصدق عم اضحك عليلى لتنام
لم تنم ليلى رغم صوت امها الممتلئ بالعاطفة والحنان,ربما كانت تشعر بحزن والدتها فارادت مشاركتها بالسهر
لكن بعد أن أرضعتها , نامت الطفلة فوضعتها على السرير برفق وتأن.
نظرت اليها بعينين جمعتا حزن العالم كله,تنهّدت تنهدات مكبوتة, وزفرت زفرات متقطعة.
انهملت على خديها دمعتين,أشبه بقطرات الندى تنهمل على ثوب الطبيعة الأخضر في الصباح الباكر.
استلقت بجانب الطفلة, وقالت بصوت أقرب الى الهمس :ليلى ..حبيبتي .. وحيدتي ليحفظك الرب يا فلذة كبدي
وأسأله أن يهبني الصحة والقوة لأبقى بجانبك, أربيك وأحميك, وأعوّض نفسي بك عما عانيته من قهر وحرمان, من يوم مولدي التعيس والى هذا اليوم. ثم نظرت الى سقف الغرفة وقالت بصوت مسموع :
يا رب ساعدني أنا عبدتك الفقيرة, وانسى يا رب ما قلته ذات يوم بأن الأولاد يحملون آثام آبائهم الى الجيل الخامس والسادس, فما ذنب هذه الطفلة البريئة, وما ذنبي أنا أيضا؟؟
يا اله هذا الكون, يكفيني ما أكابده من عذاب والم , لقد شبعت نفسي منذ سنوات من الوحدة والظلم, ولم أكفر يوما , بل ما زلت صابرة على آلامي وحاضنة جراحي , لتكن مشيئتك يا رب ابعد عنّي هذه الكأس وارفع يد القدر عن عنقي , انها تكاد أن تخنقني. يا رب احفظ ( ليلتي هذه) من كل شر وأذى وأسألك أن لا تكن حياتها كحياة والدتها مليئة بالأهوال والآلام.
اتخذت سمر وضعية من يغفو في الفراش , ولكنها لم تنم , ظلت مستيقظة يدور في مخيلتها شريط ذكرياتهاالقاسية منذ ولدت وحتى اللحظة.

يتبــــــــــــــــــــع ......


كنعان كنعان
كنعان كنعان
مشرف منتدى الشعر والزجل والخواطـــــر

عدد الرسائل : 568
العمر : 54
الموقع : سوريا / قطر- الدوحة
العمل/الترفيه : شيف مطبخ / كاتب
تاريخ التسجيل : 28/02/2008

http://www.kanaan.ahlamontada.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

رسالة من فوق التراب ( قصة حقيقية) Empty رد: رسالة من فوق التراب ( قصة حقيقية)

مُساهمة  كنعان كنعان الأحد أكتوبر 19, 2008 7:55 pm


2 (الزنزانة المنفردة)





كانت طفلة بعمر الزهور,تفتحت عيناها على الدنيا ,وهي تجابه أقسى ألوان العذاب والحرمان.
كانت وحيدة أهلها, في بيت كبير يشبه القصور, كل ما فيه يدّل على ترف وثراء أصحابه.
رغم رحابة الغرف وكثرتها, عاشت هذه الطفلة الصغيرة حبيسة غرفة صغيرة لا يدخلها نور الشمس.

جلست الست (جوليا) قبال مرآتها تضع اللمسات الأخيرة من (مكياجها), وتنظر الى نفسها في المرآة بعينين مليئتين بالفوقية والتعالي.
بينما كان زوجها (يوسف) واقفا وراءها يعقد ربطة عنقه.
قال لها بعد أن وضع يده على كتفها:
أجاهزة أنت يا حبيبتي ؟
: نعم أنا جاهزة. وأفرغت زجاجة العطر الثمينة على شعرها وعنقها.
: اذا هيا بنا .
: هيا.
وقبل أن يغادرا البيت نادت جوليا الخادمة : أم عادل أين أنت أيتها ال...؟
أقبلت أم عادل وهي تمسح يداها بردفيها السمينين المتهدلين: هئنذا يا سيدتي, كنت أمسح غرفة الجلوس!
: اسمعي يا أم عادل, نحن ذاهبان افعلي كما أوصيتك , فهمت؟
: أجل يا سيدتي كما أمرت.
وانطلقت بهما السيارة الفخمة الى عملهما كعادتها كل صباح..
كان يوسف في العقد الرابع من العمر, أما جوليا فقد كانت تقول لكل من يتجرأ ويسألها : عمري تسعة عشر سنة فقط.

داخل الغرفة الصغيرة في ذلك البيت جلست الطفلة سمــر , على الارض, واضعة رأسها بين ركبتيها, ترتجف
باكية, وتكلم نفسها, تكلم أشياء تلك الغرفة , تحادث جدرانها وزواياها لعلها تجد في ذلك ابتعاد عن الخوف والوحدة
كانت دموعها تسقط على الارض, لتبلل سجاد الغرفة الفاخر, زحفت باتجاه الباب, ركعت أمامه وقرعت بيدها الناعمة عليه ونادت بتوسّل : أم عادل أرجوك افتحي الباب , أنا جائعة !
جاء صوت الخادمة من وراء الجدران وهي تصرخ : لا لن أفتح لك , لم يحن موعد الطعام بعد.
لكن الطفلة عادت تصرخ : أرجوك أنا جائعة جداً, عند المساء لم يجلب لي أحد الطعام
: اخرسي أيتها الشقية , قلت لك لم يحن موعد الطعام بعد.
استسلمت الصغبرة لجوعها, وعادت باتجاه سريرها, استلقت عليه , عانقت وسادتها التي كانت كل شيء بالنسبة لها, كانت تؤنسها في وحدتها , وتدفئها في بردها , ضمتها اليها أكثر وكأنها تمتص منها عاطفة حرمت منها.
ومع الدموع والشهقات كانت تقول تلك الملاك الصغبرة :
لماذا يعاملانني هكذا , وأي أهل يفعلان بابنتهما كما هما يفعلان ؟
لماذا يحبسانني بهذه الغرفة الحقيرة ؟
هل كل الأهل يفعلون بأولادهم هكذا ؟
كيف لي أن أعرف وأنا حبيسة هذه الغرفة ولم أخرج منها يوماً واحداً.
وازداد بكاؤها وهي تعصر وسادتها وتمسح بها دموعها الطاهرة .
واستمر حالها هكذا الى أن فتحت الخادمة باب الزنزانة, ودخلت تحمل لفافة صغيرة من الخبز وكوباً من الماء
: خذي كلي .. هذا فطورك.
نظرت الطفلة الى الجثة الجاثمة أمامها بعينين دامعتين وقالت:
شكراً لا أريد أن آكل لم أعد حائعة.
حدجتها الخادمة بنظرة لئيمة وصرخت : ان أردت أن تأكلي فكلي , والا فاذهبي الى الجحيم.
وخرجت وأوصدت الباب وراءها بالمفتاح.
وعادت سمر الى وحدتها, عادت الى وسادتها تضمها وتبكي من جديد.
وبعد حين تناولت فطورها, ما عادت معدتها تحتمل الجوع, فهي لم تتناول العشاء الليلة الماضية.
ربما كانوا خارج المنزل , هكذا كانت تقول لنفسها , لم تكن تدري بأنه كان هناك وليمة كبيرة في البيت , دعي اليها وجهاء وأثرياء المدينة, لذلك لم يتذكر أحداً أن هناك زهرة صغيرة ذابلة تحتاج لمن يسقيها كأساً من الماء.
تناست كل شيء واستلقت على سريرها , وبعد لحظات نامت , نامت وهي تحلم باليوم الذي تستطيع فيه الخروج من سجنها, تحلم باليوم الذي ستشبع فيه الطعام , كانت تحلم بأنها تطير مثل العصفور الذي رأته يمر أمام نافذتها .
ولم تستيقظ الا عندما كانت تهزها يد خشنة قاسية , فتخت عيناها لتجد أم عادل واقفة بجانب السرير وهي تقول:
هيا استيقظي لقد حان وقت الغذاء, انه على الطاولة , تناوليه ثم ناديني لآخذ الصحن الفارغ.
كان غذاؤها عبارة عن صحن من الحساء مع كسرة خبز صغيرة..

وهكذا كانت سمر تقضي أيامها على منوال هذا اليوم.
لا يفتح باب الغرفة الا في مواعيد الطعام ,تقضي ليلها ونهارها وحيدة بتلك الزنزانة الحقيرة.
ومرّت سنين على تلك الحال , كانت الطفلة تكبر رويداً رويداً ضمن دائرة من الظلام, ليس بها بصيص نور خافت من الأمل, كانت تكبر ومأساتها تكبر معها.
وذات يوم مازالت تذكره جيداً , فك عنها الحصار , وأصبح بامكانها أن ترى النور وتتنفس الهواء الخارجي , لكن ضمن حدود الحديقة المسوّرة بأسلاك وقضبان حديدية.
مازالت تذكر كيف فتحت أم عادل الباب وساقتها من يدها الى حيث يجلس والدها.
بقي الأب صامتاً , وتكلمت جوليا وهي تنظر الى سمر :
سمر , يمكنك أن تخرجي الى الحديقة كل يوم ساعة من الزمن, ثم تعودين الى غرفتك.
أجابت سمر : شكراً يا أمــ...أمي.
سرت لذلك , فقد أصبح عمرها أحد عشرة سنة , ولم تخرج من غرفتها, فكان خروجها الى الحديقة شيء كبير .

وهكذا انتقلت سمر الى سجنها الأوسع , ولم تك تدري ما تخبأه لها الأيام وما هو بانتظارها في تلك الحديقة.
يتبــــــــــــــــــــع .......
كنعان كنعان
كنعان كنعان
مشرف منتدى الشعر والزجل والخواطـــــر

عدد الرسائل : 568
العمر : 54
الموقع : سوريا / قطر- الدوحة
العمل/الترفيه : شيف مطبخ / كاتب
تاريخ التسجيل : 28/02/2008

http://www.kanaan.ahlamontada.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

رسالة من فوق التراب ( قصة حقيقية) Empty رد: رسالة من فوق التراب ( قصة حقيقية)

مُساهمة  كنعان كنعان الثلاثاء أكتوبر 21, 2008 4:21 pm

3 (الرجل الغريــب)




ذات يوم كانت سمر جالسة في الحديقة بجانب الســور, هناك تحت شجرة ليمون صغيرة.
كانت تلعب مع نفسها, واذا بصوت يناديها من خلف السور الحديدي :
مرحبا .. أيتها الصغيرة الجميــلة..
التفتت اليه , رأته , رجلاً ناحل الجسد..غائر العينين.. طويل القامة.
ابتسم لها وهو يشبك أصابعه بالأسلاك الحديدية وسألها :
ما اسمك يا حلوة ؟
: اسمي سمر , قالتها وهي تنظر اليه باندهاش , فهو الشخص الوحيد الذي تراه في حياتها , طبعا عدا الثالوث الأدنس
أباها .. أمها والخادمة.
: ما اسم أباك ؟
: يوسف !
: وأمك ؟
: جوليا..
أدار بوجهه عنها, كأني به لا يريد أن ترى تعابير وجهه, وصمت للحظات , ثم عاد ينظر اليها قائلاً
: هل تستطيعين الخروج لنتنزه قليلاً ؟
: لا يا سيد .. فالأبواب مغلقة , ولا يسمح لي بمغادرة هذه الحديقة.
وضع يده على جبينه كمن يخفي عيناه وقال دون أن ينظر اليها
: حسناً ..هل كل يوم تجلسين هنا في مثل هذا الوقت ؟
: نعم كل يوم, من الساعة التاسعة الى العاشرة..!
: هل أستطيع أن آتي كل يوم , لأراك ونتحدث قليلاً ؟
وافقت الفتاة دون تفكير .. كانت تريد أن تخرج من دوامة الوحدة القاتلة وقالت له على الفور
: نعم تستطيع أن تأتي يومياً وتراني.
ثم نظرت اليه بامعان وبراءة وقالت له : هل أنت زوج أم عادل ؟
: من هي أم عادل هذه يا صغيرتي ؟
: انها الخادمة الساقطة.( قالتها وهي لا تعرف ما معنى هذه الكلمة ,فقد كانت تسمع والدتها تنادي الخادمة بالساقطة)
: لا يا ابنتي أنا لا أعرف أم عادل هذه ..
ثم قال لها وكأنه تذكر شيئاً فجأة : اسمعي يا سمر , انتظري هنا ساعود بعد قليل...
غاب حوالي خمس دقائق , ثم عاد يحمل بعض الحلوى والعصير. ألقى لها ما بيده من فوق السور وقال لها
: خذي يا ابنتي هذا لك ..
تناولت ما رماه لها من فوق التراب وقالت وهي تبتسم
: أنت أفضل من أبي وأمي والخادمة
: لماذا يا صغيرتي ؟
: لأنهم نادراً ما يعطوني شيئاً كهذا , حتى الطعام يبخلون به ..
وللمرة الثانية أدار لها ظهره, وكأنه يخاف أن ترى وجهه في تلك اللحظة
: لا يهمك يا حلوة من الآن وصاعداً سأجلب لك الطعام والحلوى والعصير كل يوم..
ودّعها ومضى متثاقل الخطى منكس الرأس .. شارد النظرات
وعادت الى غرفتها ...تسترجع اللحظات السعيدة التي عاشتها مع هذا الغريب , أحست بشعور يجذبها نحوه ..أحبته
طفلة حرمت من عطف الأب وحنان الأم ..وقد جاء هذا الغريب لينقذها من وحدتها وصمتها..
جلست في غرفتها , ولأول مرة في حياتها , أحست بشيء من الحرية .
ذهبت تفكر بصديقها الجديد, وتسترجع كلماته اللطيفة , أحست أن هناك قواسم مشتركة بينها وبينه ..حزين الوجه ..شارد النظرات .. طيب القلب ..ربما لهذه الأسباب أحبته و تعلقت به أو لسبب لا تعرفه ولكنها كانت تحسَه
عند المساء استلقت على فراشها وضمت وسادتها كعادتها , ثم نامت متمنية أن يستعجل الصباح في الاشراق , وأن تركض عقارب الساعة أكثر من عادتها , لتعود وتلتقي بالغريب الذي سرعان ما أصبح قريب.. نامت وهي مبتسمة لأول مرة في حياتها .


كانت الأمواج تتلاطم مجنونة , والرياح عاصفة غاضبة , وهي وحدها تتخبط وسط المياه .. تكاد أن تغرق ,,لا ترى أحداً من حولها لينقذها من أنياب الأمواج الثائرة..تحاول استطاعتها العوم فوق المياه .. تعلو وتنخفض .. تتصارع مع الأمواج وتصيح بأعلى صوتها : أنقذوني..النجدة ..هل من أحد يسمعني ؟؟
ولاح لها من بعيد ..آت يجذف بكل قوته .. ويناديها قائلاً:
لا تخافي يا ابنتي , أنا قادم اليك ..اصمدي حتى أصل ..
عندما رأته تنفست الصعداء : أرجوك أسرع أكاد أن أغرق..
: تمالكي يا عزيزتي ,,أكاد أصل اليك.
وما ان أتم هذه الجملة , حتى غمرته موجة مرتفعة من خلفه ..ومن ثم اختفى ولم يعد له أثر...
صرخت من أعماقها .. واستيقظت مذعورة..
: يا له من كابوس فظيع !!!
وبقيت تلك الليلة ساهرة حتى الصباح .. فقد خافت أن يعود اليها ذلك الحلم المزعج ان هي نامت.

كانت جالسة تنظر من النافذة ...عندما بدأت خيوط الفجر الأولى تنساب شلالات من النور .. وتتلألأ حبَات الندى فوق عشب الحديقة الأخضر.
هاهو عصفورها يمرّ أمام النافذة كعادته .. يغرّد لحناً صباحياً جميلاً.
وهاهي شجرة الليمون تتراقص مع نسيمات الصباح الأولى .
كانت سمر تراقب كل شيء من حولها .. أحست بأن كل الأشياء أجمل وأحلى .. حتى من داخل زنزانتها أحست بشيء من الحرية .. لأن الأمل تغلغل الى نفسها .. وتحطم حائط الاكتئاب والوحشة ..وجود الرجل الغريب في حياتها فجأة , أنساها كل الظلم والحرمان.. حتى أنها نسيت أن تسأله عن اسمه .

تعانقا عقربا الساعة عند التاسعة الاّ ربع صباحاً .. نظرت من النافذة ..هناك الى الحديقة , فرأته خلف القضبان والأسلاك ينتظرها.. لم ترد أن تناديه ..فهي لا تريد اخبار أحد بالأمر .. فربما منعوها من الخروج عندئذ ..فآثرت النتظار حتى يحين موعد خروجها.
وبعد دقائق أحست أنها ساعات أتت أم عادل وفتحت لها الباب .. فانطلقت باتجاه مكان اللقاء مع ذلك الغريب.
: صباح الخير يا سيد..... عفواً ما هو اسمك نسيت أن أسالك البارحة ؟؟
: صباح النور يا بنيتي .زكيف حالك اليوم ؟
: بخير ..ولكن لم تقل لي ما سمك؟
: اسمي ..سالم ... انظري لقد جلبت لك الطعام والحلوى..
: شكرا جزيلا لك يا عم ...سالم .. لماذا عذبت نفسك..
: لأجل عينيك الجميلتين يا ابنتي..
: انك رجل طيب جداً يا عم سالم.
: شكراً لك أنت الطيبة والمهذبة .
: لقد رأيتك من النافذة ..تمنيت لو أطير وآتي اليك بسرعة.
: أية نافذة؟
: تلك النافذة هناك ..وأشارت بسبابتها نحو نافذة غرفتها.
: آسف يا ابنتي لم أنتبه ولم أراك ..
صمت سمر وهي تنظر اليه بشرود وتأمل ..
قال قاطعاً صمتها : ما بك يا صغيرتي ..هل من مكروه؟
: لا يا عم سالم ... ولكن...
: لكن ماذا .. ماذا جرى .. هل من أحد ضايقك ؟؟
: حسناً .. سأقول لك ما الموضوع ...
وقصت عليه الحلم الذي رأته .. لم يعلق بشيء ... فقط اكتفى بهز رأسه وكأني به وجد تفسياًً للحلم.
وعندما لم يقل شيئاً قالت له: هل أزعجك ما رأيته في حلمي يا عم سالم؟
: لا يا ابنتي .. أبداً.. ثم تابع وكأنه يريد تغيير الموضوع:
: ما رأيك أن أروي لك حكاية ؟؟
قالت وهي تتناول قطعة الحلوى : أتمنى ذلك فالخادمة لا تروي لي الحكايات...
: حسناً ..اسمعي هذه القصة ...
كان هناك عصفوران يحبان بعضهما كثيراً.. بنيا لهما عشاً بأعلى شجرة.. بعد أن جمعا القش من هنا وهناك .. جلست العصفورة في العش ووضعت بيضة واحدة .. وبعد حين خرجت عصفورة صغيرة من تلك البيضة ..
وذات يوم ذهب العصفور الأب الى مكان آخر ..ليخبر ملك العصافير انه رزق عصفورة جميلة.. وأثناء غيابه أتوا بعض الصيادين واصطادوا العصفورة الأم ..لكنهم لم يشاهدوا العصفورة الصغيرة في العش..فأتى عصفور من العش المجاور عندما شاهد ما جرى.. وأخذ العصفورة الصغيرة ووضعها في عشه..ليحميها من بنادق الصيادين.. ثم عاد العصفور الأب متأخراً بسبب اصابته وهو في طريق العودة بنار أحد الصيادين..
فوجد العش فارغا.. وأخذ يبحث عن عصفورته وابنتها فلم يجدهما.. ولكن بعد فترة طويلة ....
صمت العم سالم .. وتنهد تنهيدة طويلة من أعماقه ..
وعندما لم يكمل سألته سمر ببراءة: وماذا حصل بعد فترة طويلة؟؟
أجابها بشيء من التوسل : أرجو يا بنيتي أن أكمل هذه القصة في وقت آخر ..
: لماذا هل نسيتها؟؟
: لا لم انساها .زلكن أفضل أن أكملها فيما بعد.
: حسناً يا عم سالم كما تريد..

وانتهت الساعة بسرعة .... وحان وقت الوداع..وقبل أن يودعها قال لها:
أرجو يا صغيرتي أن لا تخبري أحداً بأني آراك هنا ..
أجابته وكأنها كانت تنتظر هذا السؤال بلهفة : وهذا ما اريده أنا ... فلو عرفو سيمنعوني من مقابلتك..
: اذا اتفقنا ؟
: اتفقنا...
وأرسل لها قبلة من خلف الأسلاك .. وغاب رويدا رويدا. وهي تنظر اليه دون أن يرف لها جفن.
أحست بأن قلبها يعلو ويهبط داخل صدرها .. يؤيد أن يخرج ويلحق بذلك الرجل الذي غيّر مجرى حياتها ..

وهكذا مرّت عدة أشهر على تلك الحال كانت تراه كل يوم ساعة من الزمن ..يأتي مبتسماً..يحضر لها الطعام والحلوى ..يروي لها الحكايات .. ويخفف عنها وحدتها .. وكانت هي تزداد حباً وتعلّقاً به ..


يتبــــــــــــــــع .......



كنعان كنعان
كنعان كنعان
مشرف منتدى الشعر والزجل والخواطـــــر

عدد الرسائل : 568
العمر : 54
الموقع : سوريا / قطر- الدوحة
العمل/الترفيه : شيف مطبخ / كاتب
تاريخ التسجيل : 28/02/2008

http://www.kanaan.ahlamontada.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

رسالة من فوق التراب ( قصة حقيقية) Empty رد: رسالة من فوق التراب ( قصة حقيقية)

مُساهمة  كنعان كنعان الخميس أكتوبر 23, 2008 2:51 pm

4( الرســالة )...





ما زالت ســمر الى الآن تذكر ذلك اليوم جيداً, عندما أخبرها العم ســـالم أنّه سيغيب عنها ليومين متتاليين..
ما زالت تذكر الوجوم الذي كان بائن على وجهه, رغم قناع الابتسامة الذي كان يتنكر به .
دمعته تكاد أن تنهل, انها أشبه بسمكة تطفو مع شبكة صيّاد,تنفض زعانفها وتهز زيلها..تستغيث وتنادي:
أعيدوني الى قاعي وقراري, أعيدوني الى دفئي..وهكذا كانت دمعة هذا الرجل, لا تريد الخروج من قرار عينها
ومن دفئها , لا تريد أن يبصرها أحد ..
تبقى الدمعة بيضاء الى أن تخرج من العين فتتلوث بغبار المجتمع وثرثرات الناس....
عندما رأته سمر في تلك الحال سألته :لماذا يا عم سالم يبدو عليك الحزن؟
أجابها دزن أن ينظر اليها: اسمعي يا صغيرتي ..سأغيب عنك يومين فقط, لدي عمل خارج المدينة
سأذهب لانهيه , ثم أعود اليك ..وساشتاق اليك كثيرا يا سمر.
: وأنا أيضا سأشتاق اليك..وسأنتظرك بشوق الى أن تعود.
مد يده الى جيب سترته وأخرج منها شيئاً: خذي هذه انها تذكار مني لك.
: ما هذه يا عم سالم ؟
: انها قلادة صغيرة ,وددت أن أهديك اياها.
: شكراً جزيلاً لك..!
: سمــر هل لي أن أطلب منك طلباً صغيراً؟
: تفضل, أنت لا تطلب ..بل تأمر يا عم سالم..
: الأمر لله يا صغيرتي .. أرجو منك أن لا تناديني العم سالم بعد الآن.
: وماذا تريدني أن أناديك ؟
: ناديني ..بابا سالم.. هل يزعجك ذلك؟
: لا أبداً يا عم سا... يا بابا سالم.
تنهد من أعماق أعماقه وقال لها : آه ما أجمل هذه الكلمة وهي تخرج من ثغرك البلبلي الصغير.

نظرت الى القلادة التى أهداها ايّاها.. قلب صغير من الذهب يفتح الى نصفين , وفي كل نصف يوجد صورة صغيرة.
: هل هذه صورتك, يا بابا سالم ,تبدو قديمة بعض الشيء ؟
: نعم أنها لي يا ابنتي .. وعمرها اثنتا عشر عاماً.
: ومن هذه المرأة الجميلة في الصورة الأخرى ؟
توقفت الكلمة بين الحلق واللسان وكأنها تريد أن لا تخرج...
لكن سمر أعادت الكرة وسألته: انها جميلة جداً ... من تكون ؟
: انها ..زوجتي يا سمر .. انها....
: أين هي , لماذا لا تأتي معك وتعرفني بها ؟
: لا تستطيع زوجتي المجيء الى هنا يا حبيبتي..
: لماذا .. هل هي مريضة ؟؟
: لا انها ليست مريضة ..ولكن هذه قصة طويلة وستعرفينها فيما بعد, أما الآن فيجب أن أذهب, الى اللقاء بعد يومين.
: الى اللقاء ..ستجدني بانتظارك..


مر الزمن بصعوبة , وهي تنتظره بغارغ الصبر, فقد أصبح عندها بمثابة الأوكسجين الي تتنفسه يومياً..
أضحى كل شيء في حياتها , هذا الغريب الذي أنساها وحدتها وزرع في روحها حب الحياة..
وزّعت صداقتها الى ثلاثة حصص , أثناء النهار صديقها هو العم سالم, وعندما يأتي المساء فلها صديقتين..
الأولى هي وسادتها التي تشكو لها همومها, وتحتضنها في أوقات الضيق , والثانية هي القلادة..
هاهي تمسكها بيدها وتفتحها.. تنظر الى الصورة الأخرى : آه كم هي جميلة هذه السيدة, ترى لماذا لا تستطيع أن تأتي مع بابا سالم ...
أطبقتها ووضعتها تحت وسادتها .. ونامت.. نامت وهي تقول لنفسها ,النوم يقصّر ساعات الانتظار...



أرسل القرص النحاسي , خيوطه الذهبية الأولى , وبدأت العصافير تغني مجتمعة نشيد الصباح..
استيقظت سمر بحيوية ونشاط , ستذهب الى الحديقة , ها قد مرّ يومان على غيابه..
لكن ما كادت تنهض من فراشها حتى دخلت أم عادل وقالت لها : تعالي معي لتلبسي ثياباً للخروج.
قالت سمر بدهشة : ثياباً للخروج , لماذا ؟ والى أين؟
: السيد والسيدة سيخرجان ويريدانك أن تذهبي معهما.
: لا ..لا أريد أن أذهب الى أي مكان.. أريد البقاء هنا.
: اسمعي أيتها الشقية..هذا ما أمرت به أمك وعليك تنفيذ الأمر .. هل فهمت؟؟
كان عليها أن ترضخ للأمر.. لأنها تعي في قرارة نفسها ماذا سيحصل لو رفضت ..ستقضي نهارها في الحمام..
يا لهذه المفارقة ..كانت في الماضي تودّ لو تخرج من البيت, فلم يكن لها ذلك..
أمّا الآن فهي تريد البقاء .زلأن خروجها معناه و حرمانها من رؤية صديقها لليوم الثالث.

انطلقت السيارة بهم,عبر شوارع تلك المدينة المزدحمة.. كان أباها في المقعد اليميني وأمها تقودالسيارة..
من مقعدها الخلفي كانت تنظر باندهاش لكل ما تراه.. لأنها نادراً ما كانت تخرج من سجنها..كانت تنظر الى كل شيء.. لكن فكرها كان في مكان آخر ..
هناك عند شجرة الليمون وبجانب السور الحديدي كان يقف العم سالم منظرا صديقته وبيده بعض الحلوى..
: تر أين هي , انها التاسعة والنصف ولم تأتي..هل حدث لها مكروه ؟ هل هي مريضة؟ ربما اكتشفوا أني أقابلها فمنعوها من المجيء..دقت طبول القلق في صدره .. وتصارعت الأفكار في رأسه ..
انتظر طويلاً ... لكن دون جدوى.. وأخيراً عاد أدراجه من حيث أتى.


ركنت السيارة بجانب الطريق ...بقرب شاطيء البحر ..فترجلوا منها ومشوا باتجاه الشاطيء..
كان هناك أشخاص كثر من رجال ونساء وأطفال ...
تبادل والداها التحيات مع بعض الأشخاص.. ثم قالت لها والدتها: انظري هؤلاء الأولد هناك اذهبي والعبي معهم
مشت على الرمال الساخنة ..باتجاه مجموعة من الأطفال يمرحون ويلعبون..أختارت لها مكاناً محايداً وجلست تراقبهم بعينين دامعتين, كانت ترى البهجة والسعادة في أعيتنهم جميعاً , كانت ترى الحرية المطلقة في حركاتهم وتصرفاتهم..
أدركت كم هي مقيدة ومظلومة...
نظرت الى البحر الواسع ..فتذكرت ذاك الحلم الذي رأته .. وعاد الى مخيلتها منظر العم سالم وهو يصارع الأمواج.
وبينما هي شاردة ..أقبلت نحوها فتاة في مثل عمرها وقلت لها: مرحباً يا صديقتي..
نظرت سمر اليها ..واكتفت بابتسامة صغيرة..
اقتربت الفتاة منها أكثر وقالت لها: أتسمحين لي بالجلوس بقربك.؟
: تفضّلي.
: شكراً.
وبعد برهة من الصمت قالت الفتاة: ما اسمك.؟
: سمر..
: هل أنت ابنة العم يوسف؟
: نعم وهل تعرفينه ؟
: نعم انه يزورنا دائماً مع أمك..انهما أصدقاء لوالدي..لكن لماذا لا تأتين معهم ..هذه أول مرة أراك فيها.
أجابت سمر بشيء من الخجل والارتباك: لا أحب الخروج ,أفضّل البقاء في المنزل.
وهمّت بمغادرة المكان, تفادياً لمزيد من الأسئلة غير أن الفتاة قالت لها:
: الى أين ..ابقي لنتحدّث قليلاً.
جلست على مضد ,متمنية أن لا تسألها أي سؤال آخر.
لكن الفتاة عادت وبدأت الحديث: اسمي سارة .. ابنة كمال ونوال ...
: تشرفنا..
: في أي مدرسة تدرسين .. وما هو صفك ؟
بماذا تجيبها..انها تسألها عن مدرسة وعن صف ..وهي لم تسمع باسم مدرسة الاّمرة واحدة عندما قال أباها لأمها :يجب أن نضعها في مدرية لتتعلم القراءة والكتابة... وعنها سمعت رفض أمها القاطع....
عادت الفتاة وكررت السؤال.
لم تعد سمر تتحمل المزيد فقالت للفتاة بتوسّل: أرجوك دعيني وحدي ,لا أريد أن أكلم أحداً..
فتركتها وذهبت لتلعب مع أصدقائها من جديد.
وبصعوبة انقضى ذللك اليوم , فقد كانت حزينة لأنها لم ترى صديقها ..

عندما اسيقظت في اليوم التالي , انطلقت الى الحديقة مسرعة ,لتجده بانتظارها ,يلوّح لها بيده قبل أن تصل.
وصلت اليه وقالت له بلهفة: مرحبا يا عم سالم ..
: أهلاً صغيرتي. ألم تنسي العم سالم بعد؟
: عفواً لقد نسيت ...بابا سالم.
: نعم هكذا ..أريدك أن تناديني بابا سالم دائماً, كيف حالك, أين كنت البارحة؟لقد انشعلت عليك كثيراً.
وقصت له سمــر ماذا جرى يوم أمس..
وجلسا يتبادلان الأحاديث , لكن العم سالم كان وجهه مازال يوحي بأن هناك أمر يشغله ويحزنه.
وكان يتكلم باختصار وشرود...
وهكذا انتهى اللقاء بسرعة وعاد كل منهما الى مكانه.
ومرت الأيام وهو يزداد وجواً وحزناً وسمر لا تعلم السبب ولم تريد أن تسأله طالما هو لم يتكلم.

وجاء ذلك اليوم الذي ما زالت تتذكر كل تفاصيله..
عندما ركضت الى الحديقة فلم تجده بانتظارها ...فانتظرت طويلاً لكنه لم يأتي.
ما هذه المفاجأة المحزنة ..لقد غاب عنها في الماضي , ولكنه اخبرها قبل غيابه , أما الآن لم يقل لها شيئاَ ..
وجلست تختلق له الأعذار وتقول : سف يأتي .. ربما تأخر لسبب ما .. أو ربما يشتري لي الطعام والحلوى ...
وعندما ذكرت الطعام والحلوى ..نظرت الى حيث كان يرمي لها ما يجلبه ...هناك فوق التراب ..بجانب الليمونة الصغيرة , فلمحت عيناها شيئاً .. فاقتربت والتقطته.. انه مغلّف صغير ..فتحته لتجد رسالة في داخله ..
نظرت اليها ولكن..... كيف تقرأ هذه الرسالة وهي لا تعرف حرفا من حروف الأبجدية, ولم تقرأ كلمة في حياتها..
أحسّت بخيبة عظيمة .. أخفت الرسالة في ملابسها, ودخلت إلى البيت في حيرة من امرها...تريد أن تعلاف مضمونها
ولا تستطيع أن تخبر أحداً بذلك..فهي تفضّل أن تحتفظ بســّر هذه الرسالة لنفسها..كما أنها تخاف إن أخبرت أحداً... تعاقب على كتمانها مقابلة الغريب..وتحرم بعد ذلك من الخروج إلى الحديقة .
دخلت غرفتها, وخبأتها داخل وسادتها ...
وتوالت الأيام وهي كل يوم تطّل من نافذتها , لعلّها تجده هناك .. فلا تجد غير السور الشبكي المرتفع, وبقايا من ذكريات , لأسعد لحظات حياتها بصحبة ذللك الرجل الحزين الوجه والشارد النظرات ..
وهكذا انقطع الخيط الرفيعالذي كانت تتمسك به بشدة ..لعلّه ينتشلها من بحر الأحزان, وأمواج القهر والحرمان...

وعادت سمر الى وسادتها , تضمّها كل يوم وتشكو لها عذابها ...والى القلادة تذكرها ببابا سالم.. وأيامه الجميلة ..
ومضت سنوات على ذلك الحال , ولم يتغير شيء في حياتها ... فقط أضيف لها متّسع من الوقت في الحديقة..
وازداد عدد المرّات التي كانت تخرج بها مع أهلها ... وبقيت سمر تجّتر ذكرياتها مع ذلك الغريب ,,الذي أتى فجأة ,اختفى فجأة.


يتبــــــــــــــع ........
كنعان كنعان
كنعان كنعان
مشرف منتدى الشعر والزجل والخواطـــــر

عدد الرسائل : 568
العمر : 54
الموقع : سوريا / قطر- الدوحة
العمل/الترفيه : شيف مطبخ / كاتب
تاريخ التسجيل : 28/02/2008

http://www.kanaan.ahlamontada.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

رسالة من فوق التراب ( قصة حقيقية) Empty رد: رسالة من فوق التراب ( قصة حقيقية)

مُساهمة  كنعان كنعان الجمعة أكتوبر 24, 2008 2:00 pm

5 ( إلــى أيــن )




التفّت الأرض حول الشمس ثمانية عشر مرّة…
وأطلّ الربيع بصخب أطياره ولحن أوتاره ..ثمانية عشر مرّة..
وتساقطت أوراق الخريف ..يابسة عائدة إلى التراب الذي أتت منه , ثمانية عشر مرّة..
مضت ثمانية عشر سنة منذ أن رأت عينا سمر النور وحتى الآن…
ها قد كبرت وأصبحت صبية جميلة..كبرت وهي تحمل سرّ الرسالة المجهولة في خبايا نفسها..
كبرت وهي تحلم بأن تلقى ذلك الرجل الطيّب من جديد…
وفي جلسة مع الذاكرة..تذكرت ذاك الحلم الذي رأته, وقالت لنفسها: قد تحّول الحلم إلى حقيقة ..كيف لم أفطن إلى ذلك من قبل..إن بابا سالم اختفى في الحلم ..وقد اختفى في الحقيقة أيضاً..
لكن يجب أن أجده..ويجب أن أعرف ماذا تحوي الرسالة..
وبعد صراع رهيب مع أفكارها ..اتخذت قرارها….
قررت الخروج .. قررت السفر من مملكة الأحزان التي ترعرعت ضمن أسوارها..
وسافرت بتذكرة ذهاب فقط..سافرت ولم تضع في حقيبتها غير وسادتها والقلادة ..بالإضافة إلى بطاقتها الشخصية ..
هربت الصبية بعد أن اختلست مفتاح السجن ..والحرّاس نائمون بعد ظهر ذلك اليوم..
ومشت في شوارع تلك المدينة ..لا تعرف إلى أين تذهب بها خطاها..مشت وهي لا تعرف أحداً.. ولا في أي اتجاه تســير…مشت بخطوات متثاقلة مترددة.. لكن مهما كان المكان الذي ستصل إليه..سيكون أفضل من غياهب ظلام أهلها وقسوتهم..وراحت تجوب شوارع المدينة..وتنظر إلى كل شخص تمّر به ..
تراقب الشرفات والأبواب..تراقب السيارات ..لعلّها تجد صديقها المختفي..
وبعد ساعات أضناها المسير ..وأحست بالجوع..تريد أن تأكل شيئاً..رأت الناس يشترون الطعام..ويدفعون المال..ماذا تفعل ..وهي لا تحمل مالاً..وبينما هي تسير وحقبتها معلقة على كتفها ..رأت محلاً صغيراً يبيع سندويتشات ..فاقتربت منه..وعندما وصلت لأنفها رائحة الفلافل ازداد جوعها..أرادت أن تدخل وتطلب سندويشاً..لكنها توقفت قبل أن تدخل.. ..فقد أحست أن كل من داخل المحل ..ينظرون إليها بشماتة و يقولون ..انظروا إلى هذه الفتاة تريد أن تأكل ولا تملك المال..فلم تدخل بل عادت أدراجها ..متحاملة جوعها الشديد..
وتابعت المسير حوالي ساعة من الزمن..مرت من أمام بقالية ..فرأت صندوقاً من التفاح أمامها على الرصيف..
نظرت إلى صاحب البقالية فوجدته مشغولاً مع أحد الزبائن..فخطفت تفاحة من الصندوق ووضعتها في حقيبتها وتابعت مسيرها..
تحّولت الطفلة البريئة إلى سارقة رغماً عنها..فلم يكن أمامها حلّ آخر ..أو هكذا هي فكرت..فهل يغفر لها الله هذه الخطيئة .. وينظر بعين الرحمة إلى جوعها..
دخلت أحد الأزقّة ..والتهمت التفاحة بنهم..ثم تابعت المسير نحو المجهول
الشوارع غاصّة بالمارّة..ومزدحمة بالسيّارات ..وبينما هي تمشي بين الناس ..رأت رجلاً ناحل الجسد..طويل القامة..يسير أمامها بخطوات بطيئة..فصاحت: إنه بابا سالم ..نعم إنه هو بطوله ونحافته وشعره..
فنادته بأعلى صوتها وركضت باتجاهه…لكن كم كانت الصدمة قوية عندما رأت وجهه..لم يكن هو..فاعتذرت منه بأدب وتابعت مسيرها..
مالت الشمس إلى الأفول..وهي ما تزال تمشي في الشوارع تائهة لا تعرف إلى أين هي ذاهبة..ربما سارت بذات الشارع أكثر من مرة دون أن تدري..
أرخى الليل سدوله على المدينة..هدأت زحمة السيارات والناس ..تباطأت أرجلها في الخطى..وأضناها المسير..
دخلت إلى مدخل إحدى البنايات .. واتخذت تحت الدرج موضعاً لمبيتها.. فتحت حقيبتها..أخرجت الوسادة..ووضعتها تحت رأسها واستلقت ..وسرعان ما نامت..فقد كانت متعبة جداً...

كانت تحلم بالعم سالم ..عندما أيقظتها يد تهزّها وصوت يقول: صباح الخير ...
فتحت عيناها فرأت صبية جميلة منحنية أمامها..تنظر إليها: لماذا أنت نائمة هنا ؟
أجابت سمر : صباح الخير ..وجلست تنظر إلى تلك الصبيّة.
: من أنت ؟ ولماذا تنامين هكذا على الأرض؟؟
لم تعرف سمر بماذا تجيبها..فألّفت لها قصة كاذبة بأن أهلها طردوها من المنزل ..وهي لا تعرف أحداً..
رقّ قلب الفتاة التي كانت ذاهبة لممارسة رياضة المشي عند الصباح وقالت لها:
تعالي .. اصعدي.. بيتي في هذه البناية..
: لا ..شكراً لك..سأتابع مسيري إلى مكان آخر.
: هيّا تعالي .. إلى أين ستذهبين..وأنت لا تعرفين أحد.
وساقتها من يدها وأصعدتها إلى الطابق الخامس...وقبل أن تفتح الباب سألتها عن اسمها..
فأدخلتها ..وأخبرت أهلها بأن سمر صديقة لها تعرفت بها عندما كانت مسافرة ..ورأتها الآن بالصدفة فدعتها لاستتضافتها عدّة أيام ...فرحب أهل الفتاة بســمر ..
أدخلتها ( أحلام) إلى غرفتها.. وقالت لها وهي تناولها بعض الملابس: استحمي وارتدي هذه الملابس ..ثم نامي قليلاً..ريثما أحضّر بعض الطعام ..اكيد أنت جائعة..ثم تركتها وذهبت إلى المطبخ.
أخذت سمر حمّاما ساخناً..ثم ارتدت الثياب التي أعطتها أحلام لها..,عادت إلى الغرفة..جربت أن تنام فلم تستطع..رغم أنها منهكة من ليلة أمس..لكنها غريبة في منزل لا تعرف فيه أحد,حتى أنها لا تعرف ما اسم الفتاة التي استضافتها..
نهضت من السرير..ونظرت إلى أشياء الغرفة المرتبة..بعض الصور لمطربين ومطربات معلقة على الجدران.. وعلى طاولة صغيرة بجانب السرير ثمة ألبوم صور.. تناولته وسمحت لنفسها أن تلقي نظرة إليه..فوجدته ملييء بصور لأحلام بوضعيات مختلفة وثياب متنوعة..وبعض الصور بثياب خفيفة وأوضاع مثيرة.
أغلقته وأعادته إلى مكانه..ثم ألقت نظرة إلى الخزانة..فوجدتها مليئة بالثياب ..من كل شكل ولون..والأحذية أيضاً متنوعة وكثيرة..ومساحيق التجميل من كل صنف ونوع...
قالت سمر لنفسها: ترى من تكون هذه الفتاة وما هو عملها؟

تركت الغرفة واتجهت إالى المطبخ..حيث كانت أحلام تحضّر الطعام وهي تتراقص على أنغام أغنية صاخبة..
وعندما رأت سمر ..أخفضت صوت المسجّل وقالت لها: أراك لم تنمي.!
: حاولت..لكن لم أستطع..فجئت لأجلس معك.
: تفضلي ..اجلسي..وأشارت لها إلى أحد الكراسي بحركة مسرحية.
جلست سمر وعيناها تراقبان الفتاة كيفما تحركت.
وبعد لحظات صمت افتتحت سمر الحديث : عفواً يا صديقتي ..حتى الآن لم أعرف ما اسمك؟
التفتت أحلام إليها مبتسمة وقالت: أعتذر ..عن عدم إخبارك..اسمي أحلام..هل هو اسم جميل؟
: نعم ..إنه جميل جداً..
وضعت أحلام الماء فوق الأرز في القدر ثم غطته وخففت النار تحته..
ثم حضّرت كأسين من عصير البرتقال..وناولت سمر كأساًً وهي تقول لها: اعتبري البيت بيتك..خذي راحتك.
: شكراً لك يا أحلام .. أنت لطيفة جداً..
جلست أحلام قبالتها وراحت تمعن النظر في وجهها .. فرأت في عينيها خليطاً من الحزن والخوف والارتباك
: عفواً على السؤال ..ولكن لماذا طردك أهلك من البيت ؟
لم تجب سمر ..وحاولت أن تكبت دموعها فلم تستطع..
: أعتذر يا سمر إن كنت أسأت السؤال..
قالت سمر وهي تمسح دموعها براحة يدها:اسمعي يا صديقتي أهلي لم يطردوني..أنا هربت من المنزل.
وروت لها قصتها باختصار..ولكن لم تذكر لها شيء عن الرسالة ..
بعد ذلك تناولتا الطعام ..ثم طلبت سمر من أحلام إن كانت تحب أن ترافقها في جولة في الخارج..وكانت تنشد الخروج لظنها أنها ستلتقي بالعم سالم صدفة..
خرجتا وسارتا على الطريق المؤدي إلى البحر.. كانت سمر تتلفت في كل الاتجاهات ,تراقب أوجه جميع الرجال..
وجابتا معظم شوارع المدينة..إلى أن مالت الشمس إلى الغياب ..فرجعتا دون أي نتيجة..
عند المساء..وبعد العشاء قالت أحلام: ما رأيك أن نذهب لنسهر في الخارج..
: ماذا تعني بالخارج؟؟
: أعني أن نسهر في أحد النوادي الليلية.
: نوادٍ ليلية ..؟
: نعم ..إنها أمكنة تستطيعين السهر فيها حتى الصباح ..وتستطيعين الغناء والرقص.
: أنا لا أعرف أن أرقص وأغني..
: شيء سهل ..فقط انظري ما يفغله الموجودون ..تجدين نفسك تفعلين مثلهم.
وافقت سمر على الخروج...ليس لتسهر وترقص..بل لأن الخروج يعطيها فرصة أخرى للتفتيش عن صديقها..
ألبستها أحلام ثياب سهرة من عندها..ووضعت لها (( ميكياج)) لأول مرة في حياتها .. وذهبتا بعد أن طلبت أحلام سيارة.

نزلتا من التاكسي أمام مبنى متلأليءبالأضواء الملونة..ومن خلال الاستقبال الحار لاحظت سمر أن أحلام كثيرة التردد إلى هذا المكان.

ولأول مرة تدخل سمر مثل هذا المكان... نظرت بدهشة إلى كل شيء.. أضواء خافتة..طاولات وكراسي كثيرة...مسرح صغير عليه بعض الكراسي وأجهزة موسيقية...بار خشبي يحتوي على المشروبات الروحية...وأناس كثيرون ..منهم من هو جاس ..ومنهم واقف هن وهناك..
بعد أن جلستا أتى النادل وسأل أحلام : ماذا أجلب لك يا آنستي؟
أجابته وهي تشعل سيكارة ودون أن تسأل سمر : أحضر زجاجة تكيلا ..ولا تنسى شرائح الليمون الحامض.
عندما سمعت سمر باليكيلا ..ظنّت أنه مثل العصير الذي تعرفه..لكن ما إن رشفت منه حتى احمرّ وجهها ..والتهب حلقها..وسرت قشعريرة في كامل جسدها..وقالت وهي تكح: ما ..هذا...يا أحلام ؟
: إنه التكيلا.. إنه لذيذ جداً ..إشربيه وسوف ينسيك همومك.. كما يقولون ( اشرب كثيراً ..تنسى كثيراً ).
واعادت سمر الكرة وشربت ... فهي تريد أن تنسى كثيراً كثيراًً...
بدأ البرنامج الفنّي..مطرب يغنّي ..راقصات تتلوّى من حوله..بجسد شبه عارٍ..
كانت أحلام منسجمة تماماً مع الجوّ..تغني وترقص معهم..
لم يمض وقت طويل إلاّ وابتدأ الصخب ..وعلا الهرج والمرج في ذلك المكان المظلم.
ولعب الخمر برؤؤس الجميع ..وأوّلهم سمر.. وبدأت ترى أحلام أحلامين..والمطرب ثلاثة والراقصات بعدد الكراسي.
وبعد أن لاحظت أحلام حالة سمر ..دفعت الحساب ..وساقتها من يدها إلى الخارج ..حيث ركبتا سيارة وعادتا إلى البيت.
لم تحسّ سمر بشيء إلا عندما أيقظتها أحلام عند الصباح وقالت لها مازحة: صباح الخير أيتها السكيرة.
: صباح النور.. ردت سمر وهي تنهض من الفراش ثم تابعت..ما هذا التكيلا ..فعلا إنه ينسي كل شيء.
: هيا تعالي لنتناول الفطور وهناك نكمل حديثنا..


مضى حوالي الشهر في بيت أحلام ..تخرجان في النهار للبحث عن العم سالم..وعند المساء تذهبان إلى النادي.
وأصبحت سمر تشرب كل يوم ..بعد أن وجدت بأن الخمر يضع ستارة سوداء على الذكريات الأليمة ..ولو لوقت محدد
وذات يوم كانت جالستان تتبادلان أطراف الحديث قالت سمر : إلى متى سأظلّ باستضافتك يا أحلام..؟
: لا تتكلمي هكذا يا صديقتي ..لقد قلت لك سابقاً بأن البت بيتك.
: شكراً .. ولكن أنا بنظر أهلك زائرة.. ويجب أن تنتهي الزيارة وأعود إلى مدينتي.
جلست أحلام واضعة سبابتها على صدغها ... تفكر في حل مناسب .. وبعد برهة صاحت وكأنها اكتشغت كنزاً.
: وجتها ياسمر... ما رأيك أن تشتغلي معي..؟
أجابت سمر بشيء من الامبالاة : أشتغل؟ ماذا أشتغل وأنا لا أعرف القراءة والكتابة؟
: من هذه الناحية لا يهمّك ..فعملنا لا يحتاج قراءة ولا كتابة..
: وما هو عملكم هذا الذي لا يحتاج لقراءة وكتابة..؟
: يا صديقتي .. نحن مجمعة من البنات.. نسافر إلى خارج البلد..ونشتغل بالرقص والاستعراض في النوادي الليلية.
: نوادً ليلية..؟ مثل هذا الذي نذهب إليه يومياً...؟
: تماماً.. ولكن هناك أضخم وأفخم.
: لكن أنا لا اتّقن الرقص.
: ومن سينظر إلى رقصك يا صغيرتي..لديك الجسد الجميل ..وليس عليك إلا الوقوف على المسرح..والتمايل يميناً وشمالاً.. وتوزيع النظرات والابتسامات إلى الزبائن..ويوماً بعد يوم تتعلمين كل شيء.
: ولكن...
: من غير ولكن...اسمعي يا سمر ..هناك سوف تأكلين وتشربين وتنامين على حساب صاحب العمل..أي توفرين كل راتبك..الذي سينقذك من الحاجة ويسد لك كل حاجاتك.
: وماذا يحتاج هذا السفر من متطلبات..؟
: فقط عليك الحصول على جواز سفر.
: جواز سفر..؟
: نعم.. لكن لا تهتمي لذلك ..سأتصل بمدير المكتب الذي أتعامل معه ..وهو سيقوم بكافة الإجراءات اللازمة.
وافقت سمر على هذا العرض..فهي تريد أن تنقذ نفسها من العري والتسكع والجوع ..وتملأ وقتها لنسيان الماضي..
تناولت أحلام هاتفها وطلبت المدير : ألو...سامر ..كيف حالك.
: أهلا ..أنا بخير.
: اسمعني ..عندي صبية جميلة وأريد أن آخذها معي في السفرة المقبلة.
: تكرم عينيك يا أحلام..وهل أستطيع أن أرفض لك طلب..
: أشكرك يا سامر ..ولن أنسى لك ذلك.
وحددت معه موعد للذهاب مع سمر إلى مكتبه.
عندما رأى سامر سمر ..قال لأحلام: هذه البنت ..سوف تكسّر الدنيا هناك ..لديها كل المؤهلات خذيها إلى الاستيديو
للحصول على الصور المطلوبة..وسأقوم بكافة الإجراءات ..وستكون معك في أول سفرة.

وبعد حوالي خمسة عشر يوماً..كانت في المطار تحملان حقائبهما .. وتستعدان لركوب الطائرة..فقد حصلت سمر على جواز سفر..ودفع لها المكتب التكالبف ..على أن يقتطعه من راتبها لاحقاً..
وطارت الصبيّة كما كانت تحلم وهي طفلة ..مثل العصفور الذي كان يطير أمام نافذتها...طارت ولم تنظر وراءها إلى تلك المدينة التي عاشت فيها سنيناً من القهر والظلم والوحدة..
وبينما هي جالسة في الطائرة كانت تفكر كيف ستشتغل لأول مرة ..إنها ذاهبة إلى المجهول..خائفة من شيء لم تكتشف كنهه بعد..
وبعد ساعتين ونصف كانت الطائرة تهبط في مطار تلك المدينة التي ستعمل فيها..
أتمّتا جميع الإجراءات المطلوبة ثم استلمتا حقيبتيهما وخرجتا إلى بهو الاستقبال...
كان مدير النادي الذي ستعملان به ينتظرهما..منذ ساعة من الزمن ..وعندما رأى أحلام ..وقد كان يعرفها سابقا.. لوّح لها بيده وناداها : أحلام ..أحلام أنا هنا.
عندما رأته أحلام تركت حقيبتها وركضت إليه تعانقه وتمطره بوابل من القبلات وهي تقول له لقد اشتقت إليك.


الحرارة مرتفعو جداً..والطريق من المطار إلى المدينة صحراوي قاحل ..باستثناء بعض أشجار النخيل التي تصطف على جانبي الطريق..
التفت المدير إلى سمر وقال لها: كيف حالك يا سمر ..الحمد لله على السلامة..
وقد كان يعرف اسمها سابقا من خلال الأوراق ..فهو من أتم الإجراءات في دوائر هذا البلد.
ردّت سمر بشيء من الخجل والبراءة: بخير ...شكرا لك.
: أراك مضطربة..علمت من سامر أنها المرة الأولى التي تسافرين بها ..اطمئني لا شيء يدعو للقلق.
قالت أحلام وهي تربت على كتفها: لا تشغلي بالك ..فالمدير طيب وسترتاحين معه في العمل.
وصلت السيارة إلى مساكن الموظفين التابعة للفندق الذي ستعملان به.
نادى المدير الموظف المسؤول.. وطلب منه أن يأخذ الحقائب إلى غرفة الفتاتين ..ويسلمهما المفاتيح.
وقبل أن يذهب إلى غرفته قال لهما: أفرغا حقائبكما وارتاحا وسأمر بعد وقت لآخذكما إلى الفندق.

كان بهو الاستقبال في الفندق واسع ومرتفع..تزينه بضعة أشجار نخيل صغيرة وضعت بشك هندسي هنا وهناك
وفي أحد أركانه يوجد مقهى صغير يقدم المشروبات الخفيفة ..وعلى أحد الطاولات جلس المدير مع الفتاتين.
نادى النادلة وطلب منها ثلاثة فناجين من القهوة.وأخذ يحدثهما عن الفندق وأقسامه ..وعن النادي الذي سيعملان به..
ثم قاموا بجولة في الفندق.. وبعد ذلك عادوا إلى السكن ..أوصلهما إلى غرفتهما وقال : خذا راحتكما الآن..وغداّ ستباشران بالعمل بعد أن تأتي بقية الفتيات..سأمر عليكما في السابعة ..لأرافقكما لتناول العشاء.
عندما دخلت سمر الغرفة أول شيء فعلته هو إزاحة الوسادة ..ووضع وسادنها مكانها والتي أحضرتها معها..
قالت لصديقتها : أنا خائفة ..بعض الشيء يا أحلام.
: لا تخافي ..صدقيني سيكون الأمر أسهل مما تتصورين..على كلً أنا معك وسأعلمك كل شيء.
: يبدو أن المدير طيب القلب ومتواضع..
: نعم إنه كذلك ..فهذه ثالث مرة أشتغل معه..أعرفه منذ وقت طويل ..إنه يعامل الفتيات باحترام ومحبة.

عند السابعة مساء دق المدير عليهما الباب ليصحبهما إلى الفندق لتناول العشاء..
لما وصلوا إلى هناك دخلوا إلى مطعم الموظفين..سلّمت أحلام على بعض أشخاص تعرفهم..
وعندما كانوا جالسون قال المدير: أحلام ..أنت تعرفين نظام العمل أرجومنك أن تخبري سمر بكل التفاصيل.
: لا عليك سأخبها بكل شيء في الغرفة..
وبعد أن تناولوا عشاءهم عادوا إلى السكن وقبل أن يفارقهما قال لهما : أنا ذاهب غداً إلى المطار لاستقبال بقية الفتيات إذا أردتما شيئاً اتصلي بي يا أحلام .. تعرفين رقمي طبعاً.
وذهب إلى غرفته ..ودخلتا هما أيضاً إلى غرفتهما المجاورة لغرفته..
ونامت سمر ليلتها الأولى في هذه المدينة التي تختلف عن مدينتها..بكل شيء..مناخها..سكانها.. أبنيتها وشوارعها.
نامت ومعها في الغرفة صديقتها التي أرسلها لها الرب..لتكون بجانبها ..تنسيها همومها ..وتملأ فراغها القاتل.
يتبــــــــــــــــــــع ......
كنعان كنعان
كنعان كنعان
مشرف منتدى الشعر والزجل والخواطـــــر

عدد الرسائل : 568
العمر : 54
الموقع : سوريا / قطر- الدوحة
العمل/الترفيه : شيف مطبخ / كاتب
تاريخ التسجيل : 28/02/2008

http://www.kanaan.ahlamontada.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

رسالة من فوق التراب ( قصة حقيقية) Empty رد: رسالة من فوق التراب ( قصة حقيقية)

مُساهمة  كنعان كنعان السبت أكتوبر 25, 2008 5:42 pm

6 ( اللقاء الأول)




واشتغلت سمر ..لأول مرة في حياتها...وأحست بكيانها..واستقلاليتها...
أحست بالمسؤلية وبالحرية التي حرمت منها منذ ولادتها...
كانت سعيدة ..هادئة البال..ولكن موضوع الرسالة الغامضة مازال يشغلها..فقد مرّت سنين ومازال سرّها مدفون في وسادتها..ولا أحد يعرف ما بداخلها غير الله والذي كتبها...
وبينما هي جالسة تفكر في ذلك قالت في نفسها: سوف أطلب من أحلام أن تقرأ لي هذه الرسالة ..ماعدت أحتمل الانتظار..أريد أن أجد العم سالم..لقد اشتقت إليه كثيراً..وعندما مدت يدها لتخرج الرسالة ...لتعطيها لأحلام أحست أن هناك شيء في داخلها يمنعها من ذلك ..فتراجعت عن قرارها وقالت: سوف أحتفظ بسرّها لوحدي..انتظرت طويلاً ولم يبق إلاّ القليل..عندما أعود إلى بلدي سأتعلم القراءة وأقرأها لوحدي...
قطعت أحلام حبل تفكيرها عندما سألتها: والآن ..ما رأيك بالعمل ...؟
: أسهل ممّا توقعت..
: ألم أقل لك ..لا شيء يستدعي الخوف والقلق.
وبدأت أحلام بحكم الخبيرة المجرّبة..تشرح لها كيفية جذب نظر الزبون..وكيف تشّده إليها ..لكي يأتي يومياً إلى النادي
كانت عينا سمر مع أحلام لكن فكرها كان في مكان آخر ...
: ما بالك يا سمر ...قالت أحلام بعد أن لاحظت شرودها.
سوّت سمر جلستها ولملمت أفكارها وقالت: هل تلاحظين الشاب الذي يجلس كل يوم أمام المسرح وحيداً.
: هل تقصدين سلطان..؟
: لا أعرف ما اسمه ..حتى الآن .
: حسناً ..ما به..؟
: الليلة كان ينظر إلي طوال السهرة.. وعندما أراد أن يغادر ..أرسل لي هذه الورقة مع النادلة.
واخرجت قصاصة ورق مطوية من محفظتها وناولتها لأحلام.
فتحت أحلام الورقة ونظرت إليها وقالت: هذا رقم هاتفه ..يريدك أن تكلميه.
ثم قالت لها وهي تطلب رقمه من هاتفها : إنه خروف -أي أنه زبون دسم يصرف ببذخ- خذي كلميه.
تناولت سمر الهاتف..بيدين ترتجفان وقالت: ألو....
: ألو نعم .. من يتكلم..؟
: أنا ...سمر.
: آه ...سمر ..أهلا ما أخبارك..؟
: بخير .
: كنت أنتظر هاتفك هذا بفارغ الصبر.
احمرّ وجهها ولم تجب..فقال لها: سمر ..أين ذهبت تكلمي .
: معك على الخط .. تكلم أنت.
: ألا تريدين أن تعرفي اسمي..؟
: أعرفه ..اسمك سلطان ..أخبرتني صديقتي بذلك.
: نعم اسمي سلطان وألقّب بالطير الحرّ.
: تشرفنا يا سلطان.
: سمر ..منذ اللحظة الأولى التي رأيتك فيها.. أعجبتني ودخلت إلى صميم فؤادي.
: أبهذه السرعة..
: صدقيني..والآن بعد أن سمعت صوتك.. سعادتي لا توصف .
يزداد وجهها احمراراً ..ولا تعرف بما تجيب.
: هل تسمحين لي بأن أكلمك يومياً.
: كما تشاء.
: حسناً.. غداً سأُحضر لك هاتفاً جوالاً..ليبقى معك ونتصل ببعضنا.
: أشكرك..يا سلطان.
: لا شكر بين العاشقين.
: عاشقين..؟؟؟
: نعم يا سمر ..فأنا أحببتك من النظرة الأولى ..صدقيني أقول ما أشعربه في قلبي.
وأحسّت بقلبها يعلو ويهبط في صدرها..فهذه المرّة الأولى التي تسمع فيها مثل هذا الكلام.
وبعد برهة صمت قالت: ولكن يا سلطان ألم تستعجل في قرارك.؟
: لا يا حبيبتي ..فالحب يولد فجأة ..وإذا ما ولد فإنه لا يموت أبداً..
: ما هذا الكلام الجميل .
: هذا بعض من جمالك.
أشارت لها أحلام أن تنهي المكالمة فقالت : اسمع يا سلطان عليّ أن أنهي المكالمة لأني ذاهبة إلى الفندق
: حسناً سأكلمك لاحقاً ..اتفقنا.
: اتفقنا.
وأغلقت الخط.. ونظرت إلى أحلام وكأنها تسألها لماذا طلبت منها إنهاء المخابرة.
لكن أحلام عرفت ما يدور بخلدها وقالت: دائماً يا صديقتي..لا تماطلي بالكلام مع الزبون..قدر الإمكان أختصري ..
فإن تكلم معك مطوّلا ..سيخفف من مجيئه إلى النادي..وهذا يضر بمصلحة العمل.
: حسنا ..لم أكن أعلم ذلك.
: لا عليك .. ها قد أخبرتك ..من أجل المرات القادمة.
: ولكن يا أحلام قال لي أحبك.
ضحكت أحلام من أعماقها : سوف تسمعين هذه الكلمة من جميع الزبائن.
: ولكن ..كان ينظر إلى مساءً نظرات تدل على أنه مغروم.
: اسمعي يا سمر ..تذكري أنك في هذا البلد من أجل العمل فقط..وضعي الحب في الثلاجة إلى أن يحين وقته.
: كما تشائين ..فأنا أعمل بنصيحتك دائماً..وأنت أدرى مني بكل هذه الأمور.



ودارت عجلة الأيام .تاركة ورائها ..ذكريات أليمة وماضٍ كئيب..وأحسّت سمر نوعاً ما بالحياة..
رغم بعض الهواجس التي تنتابها بين الحين والآخر...في المرتبة الأولى موضوع الرسالة ..كان عليها العودة إلى بلدها بعد إنتهاء القعد مع الفندق ..كانت تنتظر هذه العودة بشوق..حيث سيسمح لها الوقت بتعلم القراءة وكشف اللغز.
ومن ناحية أخرى كانت خائفة من شيء تجهله ..فالانسان مهما تكن شجاعته ..ينتابه شعور بالقلق من المجهول..
كانت تفكر بسلطان..ذلك الشاب الذي أباح لها بحبه..وصارحها بأنه يريد الزواج بها ..لا تنكر هي بأنها مالت إليه ..
إنها تحس عندما يكلمها بالطمأنينة والارتياح ..إذا هي تبادله المشاعر ..
أحست أنها وجدت ضالتها ..وهي الفتاة البسيطة الساذجة ..التي أمضت عمرها بين جدران أربعة.
وجدت بكلماته العاطفة والحنان وكل المشاعر التي حرمت منها.
لكن ما العمل .. لقد نصحتها أحلام ..بأن تؤجل الحب إلى وقت آخر ..فهل ترفض نصيحتها.
لا.. فضميرها لا يسمح لها بذلك..بعد كل ما فعلته أحلام لأجلها..فقد وجدتها نائمة في العراء..تفترش البرد وتلتحف الجوع ...لقد أنقذتها من تسكعها وتشردها.
أمّنت لها العمل وكسب المال ..وهاهي تقف إلى جانبها ترشدها وتعلمها كيف تعيش وتنسى الماضي..وكيف تجابه الأيام وتعتمد على نفسها..
فلولا أحلام ..ما زالت هائمة على وجهها ..في تلك المدينة المزدحمة ..تدوسها أقدام الأموات قي عالم الأحياء..وينفذ الشوك في جسدها الغض ...وتتلاعب بها أمواج الظلم.. وتغتالها نظرات المارّة وأعين المتطفلين..وهي تعصر جوعها وحزنها في الأزقّة..
إذن ..ستضحي بحبها ..وتلقي بمشاعرها في البحر ..وتنتظر ما يخبئه لها القدر ..ومهما كان ما ستصل إليه ..فهي مستعدة لأنها اعتادت على الصبر والتحمل...
فإنها صابرة إلى أن يستجيب لها القدر..ويفتح لها نافذة السعادة ..وينسيها القهر و الحرمان .


يتبــــــــــــــــــــع .......
[/right]
كنعان كنعان
كنعان كنعان
مشرف منتدى الشعر والزجل والخواطـــــر

عدد الرسائل : 568
العمر : 54
الموقع : سوريا / قطر- الدوحة
العمل/الترفيه : شيف مطبخ / كاتب
تاريخ التسجيل : 28/02/2008

http://www.kanaan.ahlamontada.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

رسالة من فوق التراب ( قصة حقيقية) Empty رد: رسالة من فوق التراب ( قصة حقيقية)

مُساهمة  كنعان كنعان السبت أكتوبر 25, 2008 5:47 pm

7 ( نصيحــة أخ )





تعانقا عقربا الساعة المعلقة على جدار صالة الألعاب والتسلية التابعة لموظفي الفندق عند الرابعة إلاّ ربع صباحاً.
كان المدير يلعب البلياردو مع صديقه, عندما أقبلت سمر وأحلام بعد أن وصلتا من العمل..
رآهما من خلال الزجاج الكبير الذي يفصل الصالة عن الممر المؤدي إلى الغرف, فلوح لهما بيده.
دخلتا وسلمتا عليه, ثم جلستا على المقعد الخشبي.
أهلاً بالصبايا ....قال وهو يضرب الكرة بعصاه.
: كيف كان الشغل اليوم؟.
أجابت أحلام : لا بأس .. لكنه يكون أفضل عندما تكون معنا.
ثم تابعت مازحة : يا أخي ..إلغي إجازتك الأسبوعية وابقى معنا كل يوم.
: لا أستطيع ..فالإجازة ضرورية لإراحة الجسد والفكر ولإعطاء النشاط من جديد.
: إن كان كذلك..فلماذا لا تسمحوا لنا بالإجازة مثلكم.
: تريدون إجازة يا أحلام.. ومن سيرقص ويغني في النادي ...المدير العام...؟
ضحكو جميعاً ..أنهى لعبته ووضع العصا مكانها, ثم جلس بجانب سمر وسألها
: مابك..أراك لم تتكلمي منذ وصولك..هل هناك مشكلة حصلت ؟.أراك حزينة.
: لا يا حضرة المدير..لم يحصل شيء.
: يا حضرة سمر ..انسي حضرة المدير ..عندما نكون خارج العمل ناديني باسمي, أو قولي يا صديقي.
: حسناً.. يا صديقي...
استأذنت أحلام بأدب : عن إذنكم ..أنا متعبة , سأذهب للنوم.
ومضت إلى غرفتها بينما بقيت سمر معه, فقال لها
: اسمعي يا سمر , اعتبريني كأخ لك, إن كنت منزعجة من أي شيء فاخبريني وأنا مستعد لمساعدتك.
تنهدت سمر من أعماقها كأني بها تجيبه بأنها تحمل هموم الدنيا بأسرها.
: ما بك يا صديقتي.. دائما أرى في عينيك آثار دموع , وأحس أنك تخبئين وراء ابتسامتك حزنا رهيباً.
: ماذا أقول لك , ومن أين أبدأ , القصة طويلة والموضوع أكبر مما تتصور.
: إن كنت تريدين أن يسمعك أحد لتخففين عنك..فأنا مستعد..لكن ما رأيك أن نذهب إلى غرفتي .
بالفعل إنها بحاجة لأن تتكلم مع أحد ..فهي تريد أن تشكو له حيرتها و انشغالها ..حملت حقيبتها ونهضت ..
عندما وصلا أمام غرفتها قال لها : خذي وقتك أنا في انتظارك.

جلس في غرفته .. وكعادته بجانب النافذة المطلة على الحديقة..وشغل نفسه بكتابة قصيدة إلى أن تأتي سمر
أقبلت بعد حوالي نصف ساعة..مرتدية منامة بيضاء... وتلف شعرها الرطب بعد الحمام بمنشفة ..
سحب لها كرسياً, وأجلسها , وقبل أن يجلس قال لها : ماذا تفضلين أن تشربي... ويسكي..فودكا.. تكيلا...
تذكرت سمر التكيلا الذي كانت تشربه مع أحلام فقالت له : أفضّل التكيلا لو سمحت..
أحضر زجاجة التكيلا من البراد , وكأسين وبعض المكسرات وشرائح اليمون مع الملح..
صب كأسين وناولها واحداً وهويقول لها : تفضلي ...بصحتك.
تم تابع بعد أن أخذت رشفة خجولة من كأسها : تفضلي ...كلّي آذان صاغية.
عدلت من جلستها, وبدت ملامح الجدية على وجهها ,وبدأت بالحديث..
: صحيح كما قلت لي , بأني أخبيء وراء ابتسامتي حزناً رهيباً...فحزني يا صديقي ملازمي ,منذ أن تفتحت عيناي على الدنيا, وليس هو وليد فترة زمنية قريبة, ماذا أقول لك.. ليتني لم أولد..ليتني متّ قبل أن أولد.. أم ليتهما تلك الليلة ناما باكراً ولم يمارسا تلك اللعبة التي أدّت لولادة هذه الشقية التي تجلس أمامك..
توقفت عن الكلام ..فرّت دموعها ساخنة..فتناول منديلاً ومسح لها دموعها ..بعد أن انتقل إلى الكرسي الذي بجانبها , طوّقها بذراعه قال لها: هوّني عليك يا سمر ,فكل إنسان لديه مشاكل و صعوبات في حياته ..إذا ما سمعت مشاكل بعضهم , تهون عليك مشكلتك ,هدئي من روعك ...... ورفع لها كأسه.
أغمضت عيناها وأفرغت الكأس دفعة واحدة في حلقها.. وبعد أن هدأت القشعريرة من جسدها استرسلت في حديثها..
: ولدت لأبوين ليس في قلبهما شيء من الرحمة و المحبة, ليس لي اخوة وبالرغم من ذلك كانا يعاملان الخادمة , أفضل من معاملتهما لي.. نشأت وكبرت وأنا رازحة تحت أثقال لا أحد يستطيع حملها..كنت أعيش بين أربعة جدران..
لا يسمح لي بالخروج ولا التكلّم مع أحد, ولا تسألني لماذا , فأنا لا أعرف السبب.
وبعد سنين مضت على هذه الحال من العذاب والوحدة والظلم , أطالوا لي الحبل بعض الشيء, وأصبح بإمكاني أن أرى الشمس,وأتنفس الهواء النقيّ , لكن بحدود حديقة مسوّرة بأسلاك وقضبان, فقد كنت كالعصفور الموضوع في قفص, من حوله الطبيعة الجميلة ورفاقه يغردون ويمرحون وهو مسلوب الحرية.
وفي تلك الحديقة التقيت بشخص ..كان لي بلسماً لجراحي و دواءً لعلّتي, شخص أنساني وحدتي و انتشلني من بحر الظلم واليأس والخوف...كان بالنسبة لي الأب والأم والأخ والصديق.. كان كل شيء في حياتي .. كان عطوفاً ومحبّاً.
صبّت كأساً .. ونظرت إلى الشاب الذي يستمع لكلامها بتأثر واضح.. فتناول يدها وربّت عليها دون أن يقول شيئاً
أخذت رشفتين متتاليتين وتابعت حديثها :
و فجأة وبدون سابق إنذار .. اختفى ذلك المنقذ ولم يعد له أثر... إلى أين حتى الآن لست أدري.
فعدت إلى وحدتي وحزني, وتوالت السنين وأنا أحلم بأن ألقاه من جديد..لكن دون جدوى , وبعد صراع بيني وبين ذاتي , قررت أن أهرب من البيت الذي تجرّعت بين جدرانه كؤوس العذاب وأقداح الألم...
خرجت تائهة الخطى , تقذف الرياح بأشرعتي حيث تشاء, إلى أن التقيت بأحلام , ومكثت عندها إلى أن أتينا إلى هنا... ولم تنتهي قصتي هنا , ففي هذا البلد البعيد, ظننت أني سأبتعد عن الأحزان التي أصبحت صديقتي الوفية والملازمة, هذا ما شعرت به في بداية عملي , حيث بدأت أنسى المؤلم من الذكريات .. واندفعت إلى عملي بحب وإخلاص.. وأحسست بالأمان بين أصدقاء أوفياء , ومنهم أنت وصديقتي التي مهما فعلت لا أستطيع أن أرد لها جزء صغير من جميلها, صديقتي التي أنقذتني من محنتي وزرعت بذور الأمل والحلم في نفسي .
قاطعها قائلاً : نعم أعرف أحلام منذ زمن , إنها تحب الخير.. وتقف بجانب من يكون بحاجتها..إنها إنسانة بكل ما تحمل هذه الكلمة من معان.
: لكن ..هناك موضوع مهم يشغل فكري ويجعلني في حيرة من أمري....
أرادت أن تخبره بموضوع سلطان... لكنها تراجعت بعدأن انتابها إحساس بأنه سيكون موقفه كموقف أحلام.
: وما هو هذا الموضوع , لما توقفت عن الكلام .
: أود تأجيل الموضوع إلى وقت آخر..
: تكلمي يا سمر , هل الموضوع يخص سلطان؟.
: نعم ولكن .. من أخبرك بالأمر ..؟
أجابها مبتسما : هو من أخبرني , بل طلب يدك مني.. وكأني ولي أمرك.
: وما رأيك بالموضوع...؟
: اسمعي يا صديقتي...لقد قلت لك في بداية حديثنا أني بمثابة أخ لك , ومن هذا المنطلق, ومن موضع محبة الأخ لأخته , وبعد ما سمعته الآن عن قصة حياتك المؤثرة, التي أفكر أن أكتبها كرواية إن كنت لا تمانعين, أقول لك :
أنت من بلد .. وهو من بلد آخر .. أي أن هناك اختلاف متباين في العادات والتقاليد والبيئة وكل شيء..
طبعا وبدون تطرف , هناك اختلاف في الدين و نصيحتي لك بأن هذه العلاقة لا تناسبك.
انتظري حتى تعودين إلى بلدك, وستلتقين هناك بأكثر من شاب تفهمينه ويفهمك.
صدقيني يا سمر , المال ليس كل شيء .. ولا تقولي لي كما يقلن الفتيات الأخريات :
ليس بالحب وحده يحيا الإنسان بل بكل درهم يخرج من جيب الحبيب.
صحيح أن سلطان ثري و يصرف ببذخ , ولكن هل تضمنين بانك ستعيشين سعيدة معه , تريّثي يا أختاه, لما أنت مستعجلة , ما زلت في بداية عمرك , ,الف شاب يتمنى الارتباط بك , ماشاء الله لا ينقصك لا الجمال ولا العقل.
و أخيراً هذا رأيي لك أن تقبليه ولك أن ترفضيه , إنها حياتك والقرار يعود لك في النهاية.
لم تعلق بشيء بعد أن انتهى من كلامه , التزمت الصمت وهي تهز رأسها.
وانتهت جلسة الاعتراف هذه عند السابعة صباحاً.
قالت له وهو يوصلها إلى غرفتها : أشكرك جزيل الشكر , لاستماعك لهمومي ومشاكلي.
: بل لك كل الشكر , لثقتك بي وإباحة أسرارك أمامي وكما قلت لك , إني مستعد لسماعك في أي وقت , لكن ما زلت مصمماً أن أجرب مقدرتي على الكتابة وسأحاول أن أكتب عنك فما رأيك.
: ليس لدي أي مانع , لك تفويض كامل .
: حسناً ...تصبحين على خير ..
: بل قل صباح الخير .. لقد أشرقت الشمس



يتبــــــــــــــــــــع ......
[/right]
كنعان كنعان
كنعان كنعان
مشرف منتدى الشعر والزجل والخواطـــــر

عدد الرسائل : 568
العمر : 54
الموقع : سوريا / قطر- الدوحة
العمل/الترفيه : شيف مطبخ / كاتب
تاريخ التسجيل : 28/02/2008

http://www.kanaan.ahlamontada.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

رسالة من فوق التراب ( قصة حقيقية) Empty رد: رسالة من فوق التراب ( قصة حقيقية)

مُساهمة  كنعان كنعان الأحد أكتوبر 26, 2008 6:01 pm

8 ( فتــرة إضـافية )





اسيقظ باكراً.. لبس ثيابه, بعد أن أخذ حمّام الصباح..ثم اتجه إلى بهو الانتظار في مساكن الموظفين, حيث كنّ الصبايا في انتظاره...فهذا اليوم وعدهنّ بأن يأخذهنّ إلى حديقة الحيوانات...
صباح الخير يا صبايا... قال المدير وهو يضع فيلماً في الكاميرا التي كان يحملها.
رددن الصبايا تحية الصباح...واتجهوا جميعاً إلى الباص الذي كان ينتظرهم في الموقف...
وفي الطريق الذي يمتد حوالي عشرة كيلومترات بين المدينة وحديقة الحيوانات....طلب منهنّ أن يبقين مع بعضهنّ لأن الحديقة كبيرة جداً, فإذا ما تفرقن بكل الاتجاهات , سيكون من الصعب عليه جمعهن عند العودة.
توقف الباص عند باب الحديقة الرئيسي... فترجلوا جميعاً وطلب المدير من السائق أن يعود لأخذهم بعد ثلاث ساعات
دخلوا الحديقة وتنقلوا في أرجائها بقطار صغير مخصص للزوار..
الحديقة التي يزورونها احتلّت مرتبة ثاني حديقة حيوانات في العالم..من حيث مساحتها وتصميمها وتنوّع الحيوانات التي بداخلها...ولا بأس من وصفها قليلاً..
مسوّرة بأسلاك مرتفعة من كل الاتجاهات...مقسّمة إلى عدّة أقسام رئيسية.. منها للطيور ..منها للحيوانات الأليفة ..والبعض الآخر للمتوحشة..وقسم كبير للحيوانات المائية والأسماك ..وهناك قسم للزواحف والأفاعي..
مزروعة بالأشجار الجميلة والمتنوعة... باختصار تحسّ عندما تزورها وكأنك في الطبيعة .
كنّ الفتيات يسرحن ويمرحن..يركضن هنا وهناك..يلتقطن الصور بقرب الحيوانات..وينتقلن برفقة المدير من قسم لآخر .. وهن مشدوهات لرؤية حيوانات نادرة ولم يرينها من قبل.
وكان هو يتفقدهن باستمرار, خوفاً من أن تتوه إحداهن..في أرجاء الحديقة الواسعة...
لفتت إنتباهه سمر ..حيث كانت واقفة قبالة سور الحديقة شابكة أناملها مع أسلاكه , تنظر بشرود إلى الخارج..
اقترب إليها و قال لها بعد أن رأى في عينيها دموع تكاد أن تفرّ: سمر أتينا إلى هنا لننسى الأحزان ..ما بك؟
أجابت بعد أن تنهدت تنهيدة طويلة : هكذا يا صديقي ..كنت كهذه الحيوانات ..في حديقة واسعة ..ومهما ركضت وأينما اتجهت لا أجد إلاّ أسلاك وقضبان عالية ومتينة.. ليتني لم آتي معكم إلى هنا.. يبدو أن القدر يلاحقني حتى في استرجاع الذكريات الأليمة..أحاول أن أنسى ..لكن كل شيء يذكرني..انظر إلى هذه الأسلاك , ربما بالنسبة لك لا تعني شيئاً.. أما أنا منذ أن رأيتها ..تذكرت تلك السنين القاسية وأنا حبيسة أسلاك تشبهها..تذكرت العم سالم عندما كان يقف من جهة الحرية ..ولا أستطيع أن أخرج إليه ..والحد الفاصل بيني وبينه بضعة سنتيمترات..
ألا ترى أن التاريخ يعيد نفسه ..بإسلوب مختلف.
وفتحت القلادة المتدلية على نحرها.. ونظرت إلى صورة العم سالم ثم قبلتها وهي تقول:
أين أنت يا بابا سالم .. لقد اشتقت إليك كثيراً..لماذا تركتني هكذا ..بعد أن اعتدت عليك وأحببتك ..ترى ماذا أصابك حتى اختفيت فجأة مثلما ظهرت فجأة.
أغلقت القلادة ..وأدخلتها داخل قميصها ..ثم تأبطت المدير وسارا باتجاه الفتيات الأخريات.
انتهت الساعات الثلاث..وعادوا بالقطار إلى باب الحديقة الرئيسي..حيث كان السائق بانتظارهم ..فركبوا الباص وعاد بهم إلى المدينة .
هناك ذهبوا إلى أحد الأسواق لشراء بعض حاجياتهم..ثم تناولوا الغذاء في أحد المطاعم التي تقدم طعاماً من بلدهم..
وأخيرا عادوا إلى السكن ليستريحوا قليلا قبل ذهابهم إلى العمل.



كانت سمر تجلس مع أحلام والمدير , يتناولون طعامهم بعد ليلة من العمل الشاق..في زاوية بعيدة عن الآخرين..
قال لهما عندما أنهيتا طعامهما : بصراحة أنتما تقوما بعملكما على أكمل وجه .. ومعظم الزبائن يأتون لأجلكما..
فما رأيكما ..بأن تجددا عقدكما معنا ثلا ثة أشهر أخرى ..؟
فوّضت أحلام نفسها بالإجابة كعادتها..وهي تعرف أن سمر توافق على أي قرار تتخذه : فكرة ممتازة ..موافقتان.
نظر إلى سمر وقال لها : وأنت يا سمر ما رأيك..؟
: كما تريد أحلام فأنا معها أينما ذهبت.
: إذا سأكلم المدير العام غدأ في الموضوع.
وبعد الاجتماع الصباحي .. قابل المدير العام وشرح له الأمر ..فوافق وقال له باشر بالإجراءات اللازمة.
وبقيت سمر ثلاثة أشهر إضافية في ذلك النادي...كانت فرحة سلطان لا توصف..عندما علم بذلك..فهذا يعني أنه سيستمر في رؤيتها تسعون يوماً إضافياً..
وفي أحد الأيام اتصل بها بعد أن أنهت عملها وذهبت إلى غرفتها..
: ألو ســمر...كيف حالك.؟
: أهلاً سلطان...بخير ..وأنت؟
: الحمدلله ...سمر إلى متى سأظل أنتظر.. فأنا أحبك وأريد الزواج منك.
:صدقني ..لا أعرف ماذا أقول لك..
: اسمعي... إذا وافقت ... سأريحك من العمل ..وأجعلك شيخة كبيرة..وأوفرلك كل ما تحتاجين إليه..فأنا ثري ..اطلبي ما تشائين وأنا سأنفذ.
أجابت سمر .. والدموع تنهمل على خدّيها: سلطان أنت شاب لا ينقصك شيئاً..وتتمنى الارتباط بك أية فتاة..لكن أنا لست مهيأة للزواج بعد.. ما زال أمامي أشياء كثيرة يجب أن أفعلها قبل أن أتزوج.. وكما يقولون ..هذا نصيب ولا أحد يدري .. لو كان نصيبي معك لا أحد يستطيع أن يقف في طريقه .
: اسمعي يا سمر..أنا لا أستطيع العيش بدونك.. وأقول لك حتى لو ذهبت إلى بلدك ..سأبقى أحبك ..إذا غيّرت رأيك فاتصلي بي .. وأنا مستعد للزواج بك في أي وقت.
انتهت المكالمة..وهي تتخبط في بحر من الأفكار المتضاربة وتقول لنفسها : إنه يحبني , أنا متأكدة من ذلك , ولديه المال الذي سيجعلني لا أحتاج أحد..ماذا لو قبلت الزواج به..؟ من يدري...قد يكون هو نصيبي.
وصرخ بها صوت من حاخلها : لا يا سمر , لا تفعلي هذا ,فأحلام والمدير لديهما الخبرة في الحياة أكثر منك, وقد نصحاك بعدم التهوّر ..فلا تخالفي نصيحتهما..وبالأخص أحلام التي مازالت بجانبك وتساعدك في كل شيء..فلا تفكري بطيش , وانتبهي لكل خطوة تقدمين عليها...حتى لا تفعلين شيئاً ومن ثم تندمين.



انتهت الأشهر الثلاث , وهاهي عائدة إلى مدينة الأحزان..طارت تاركة وراءها ذكريات جميلة ... ومحزنة في آن .
فارقت الشاب الذي عاملها كأخته... ووقف بجانبها بعد أن روت له حكايتها.
والشخص الذي أحبها وأراد الزواج بها..
عادت من جديد إلى مدينتها بصحبة تلك الفتاة التي أرسلها القدر , لتكون منقذتها وملاكها الحارس.
عندما نزلت من الطائرة انتابها شعور من البهجة والألم ...بالبهجة لأنها عادت إلى مسقط رأسها ..إلى الأرض التي شاركتها أحزانها ومآسيها... والألم لأن من ذاقت منهم أقسى ألوان القهر والحرمان هم في هذه البقعة من الأرض.

يتبــــــــــــــــع .......
كنعان كنعان
كنعان كنعان
مشرف منتدى الشعر والزجل والخواطـــــر

عدد الرسائل : 568
العمر : 54
الموقع : سوريا / قطر- الدوحة
العمل/الترفيه : شيف مطبخ / كاتب
تاريخ التسجيل : 28/02/2008

http://www.kanaan.ahlamontada.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

رسالة من فوق التراب ( قصة حقيقية) Empty رد: رسالة من فوق التراب ( قصة حقيقية)

مُساهمة  كنعان كنعان الإثنين أكتوبر 27, 2008 4:30 pm

9 ( الطامـة الكــبرى)





بعد أن جلست في بيت أحلام عدّة أيام ....استأجرت غرفة صفيرة في الجوار بمساعدة صديقتها.
وعادت إلى الوحدة من جديد..ولكن هذه المرّة بشيء من الحرية ..فهي تستطيع الخروج متى تشاء.
كانت تقضي معظم أوقاتهافي بيت صديقتها.. وكانت أحلام تزورها باستمرار وتنام عندها أحياناً.
وفي إحدى جلساتهما معاً... قالت سمر لأحلام بعد أن استجمعت أفكارها واتخذت قراراً حاسماً
: أحلام ..أريد أن أتعلم القراءة والكتابة.. فهل تستطيعين مساعدتي..؟
: أجل.. أستطيع ذلك وساعلمك في أسرع وقت ممكن.
: لا ..لم أقصد أن تعلميني أنت .. بل أن تجدي لي معلماً وسأدفع له أجره.
: سامحك الله ..أنا من سيعلمك.. ووفري فلوسك لشيء أهم.
: لكن لا أريد ان أتعبك معي .. يكفي وقوفك بجانبي كل الفترة الماضية.
: أنا من سيعلمك.. أيتها التلميذة الصغيرة..
: حسناً أيتها المعلمة ومتى سنبدأ؟
: متى تشائين أنا جاهزة
: هل يناسبك غداً.؟
: أجل .. سأمر عليك ونذهب لنحضر الدفاتر والكتب ومن ثم نباشر في الدروس.

وبعد بضعة أسابيع .. بدأت سمر بالقراءة والكتابة لوحدها...ولم تكن تدري بأنها ستقرأ حزنها على صفحات سوداء
وستكتب بدموعها جروحاً لم يعد بمقدور الزمان أن يشفيها.
وأخيراً .. وبعد سنين من الانتظار قرأت الرسالة....
وكانت المفاجأة والصدمة التي لم تكن تتوقعها أبداً.. واشتعلت النار التي بقيت تحت الرماد لسنين طويلة, وانفجر البركان الذي كان يخبو بصدرها أعواماً متتالية.
بعد أن قرأت الرسالة ..انقطت عن الطعام والشراب عدة أيام .. وساءت حالها كثيراً..وعاشت حالة من الإحباط واليأس..
بعد أن افتقدتها أحلام ..جاءت إليها, فوجدتها في حالة يرثى لها..وعبثاً حاولت معرفة السبب, لكن دموع سمر حالت دون أن تتكلم كلمة واحدة.
خرجت أحلام مسرعة ..وأحضرت لها أقرب طبيب ..
صدمة عصبية ...هكذا قال الطبيب بعد الكشف عليها..يجب إعطاءها الدواء المهديء وناول أحلام الوصفة.
وبقيت بجانبها طوال الليل بعد أن أحضرت لها الدواء..تعتني بها وتسقيها بعض المشروبات المهدئة للأعصاب.
وعند الصباح لاحظت أن حالها تحسنت فقالت لها : ماذا حلّ بك ..أنا صديقتك التي تخبرينها بكل أسرارك ..قولي لي ماذا جرى ..؟
لم تجب بأية كلمة ..لكنها مدّت يدها تحت وسادتها وأخرجت الرسالة وأعطتها لأحلام.
: ما هذه..؟
: هذه رسالة من بابا سالم ..لقد تركها لي في ذلك اليوم الذي اختفى به.
: ما مضمونها.. ولماذا لم تخبريني بها من قبل ..؟
: إقرأيها ..يا أحلام ..إقرأيها...وبكت بشدة.
فتحت أحلام الرسالة وبدأت بقرائتها....


ابنتي الغالية...
أكتب لك هذه الرسالة , وأنا متيقن أنها ستفاجئك وتصدمك,ولكن يجب أن أخبرك الحقيقة.. غداً سأدخل إلى المستشفى
لإجراء عملية في القلب..ولا أعرف إن كنت سأراك لاحقاً , ربما تنجح العملية وأراك , وربما أموت خلالها..لأن الطبيب أعطاني احتمالاً ضعيفاً بالنجاح.
لكن لو متّ.. سأموت وأنا مرتاح ومطمئن البال ..لأني رأيتك قبل موتي , وهذا ما كنت أحلم به.
سمر ..يجب أن تعلمي بأني أباك الحقيقي..نعم أنا هو أباك..والتي صورتها في القلادة هي أمّك..
أمّا هذان اللذان داخل البيت ليسا والديك..
كان اسم أمك ليلى .. كنت صغيرة لم تكملي الشهر الثالث من عمرك ..عندما سافرت من المدينة إلى البلدة التي أنتمي إليها ,لتسجيلك هناك في النفوس..وفي تلك الأيام كانت المعارك على أشدها في البلد كله..والذبح والقتل في كل مكان.
بعد أن أنهيت كل شيء , وفي طريق العودة , انفجرت قذيفة أمام السيارة التي كنت من ركابها, فأصبت إصابات بالغة.. نقلوني إلى المستشفى للمعالجة, وبقيت هناك أربعة أشهر ..وعبثاً حاولت الاتصال بأمك لأخبرها بمكان وجودي .. لكن لم تجيب على الهاتف أبداً..
وعندما خرجت من المستشفى , رجعت إلى البيت فلم أجد فيه أحد..
ولما سالت الجيران .. كانت الصدمة القاتلة..حيث أخبروني بأن أمك توفيت بعد أن دخلوا المسلحين إلى البيت واغتصبوها ثم قتلوها..ولم يشفع لها صوت بكاءك في السرير..
شاهدهم جارنا إبراهيم خارجون من المنزل ..فدخل ليرى ما الأمر..فوجد أمك على الأرض عارية ومقتولة..وأنت تبكين في سريرك..فأخذك إلى بيته وأبقاك عنده عدة أسابيع .. وأخذ جثة أمك إلى البلدة ودفنها ..وسأل هناك أقاربي عني ..فقالوا له بأني عدت إلى المدينة..
ولما طال غيابي ..ظن أني مت أيضاً .. فأخذك إلى دار للأيتام ووضعك هناك ..لأنه كان سيسافر مع عائلته هرباً من الحرب.
ومن ذلك اليوم فقدتكما معاً.. أنت ووالدتك..ولا أعرف ما اسم الميتم الذي وضعك فيه..وهو لم يخبر أحداًً بذلك..
ولا أحد يعرف عنوانه في ذلك البلد الذي سافر إليه..
ومرت الأيام .. ومن حزني عليكما.. أصبح عندي مرض خطير في قلبي..ومضت سنوات وأنا أزداد هماً ومرضاً.. وحالتي تسوء يوماً بعد يوم.
وذات يوم وبعد وقت طويل .. أتى إبراهيم بزيارة إلى البلد..وعندما سمعت بذلك ..ذهبت إليه فوراً..وسالته أين وضعك
فأخبرني باسم تلك الدار وقال لي أنه سجل اسمه هو في السجلات..
ذهبت إلى هناك .. وسألت عن طفلة اسمها سمر.. وضعها شخص اسمه إبراهيم .. فأخبروني بأن المدعو يوسف وامرأته أخذوك ليتبنوك..لأنه ليس لديهم أولاد..وأعطوني عنوانهم ..
وذهبت إلى العنوان.. وقبل أن أدخل رأيتك في الحديقة..وقلبي المريض أحسّ بأنك أنت ابنتي.. هكذا شعرت منذ أن رأيتك.. وبقية الحكاية تعرفينها يا حبيبتي..
سمر .. ابنتي إن لم أعد إليك فأكون قد ذهبت إلى جوار أمك..
اذهبي إلى بيت عمك سليم على العنوان في أسفل الرسالة....
وأخيراً انتبهي إلى نفسك وصلي لأجل روح أمك وروحي.. وسامحيني.
أبوك ســالم




أنهت صديقتها قراءة الرسالة واحتضنتها وبكيتا معاً...
وبعد أن هدأتا قليلا قالت لها: لماذا أخفيت عني هذه الرسالة كل هذه الفترة.. لو أخبرتني بها لكنت الآن نسيت كل شيء والتئمت جراحك..
: كيف تلتئم جراحي .. وسكين القدر في فوهة الشريان..منذ ولدت وحتى الآن.. لست مصدقة لما يجري ..كأني في كابوس مرعب.. لماذا لم يخبرني منذ أن التقى بي ..لماذا تركني أنتظر كل هذه السنين...؟.
وتذكرت سمر تلك الحكاية التي رواها لها عن العصافير.. إذا كان يقصد أن يخبرها بطريقة غير مباشرة..
قالت أحلام : الذي حصل قد حصل .. ماذا ينفع بكاؤك .. أعرف أن مصيبتك كبيرة..ولكن هوني عليك يا صديقتي..لقد خسرت الأب والأم .. ولكنك ربحت أختاً لك.. لا أقول إني سأعوضك عنهما.. لكن ربما سأعوضك عن جزء من الفراغ الذي تركاه.
: هل تعلمين يا أحلام ما الذي أكثر إيلاماً...أني رأيته وأحببته قبل أن أعرف أنه أبي.. وهكذا يختفي فجأة ولم أعد أراه..وأخيراً وبعد كل هذا الانتظار أعلم أنه قد مات.
ليتني لم أتعرف به.. كان الأمر أهون علي.. إن حزني أقل على أمي لأني لم أقابلها..
: ومن قال لك أنه مات يا سمر ..؟ربما ما زال حياً.
: لو لم يمت لعاد إلي في ذلك الوقت .. لقد مات يا أحلام لقد مات...ولكن سأذهب إلى بيت عمي في البلدة .
: سأذهب معك..متى تريدين الذهاب؟
: حالاً.. يجب أن أذهب ..
: إذاً جهزي نفسك..وأنا ذاهبة لألبس ثيابي وأعود إليك ثم ننطلق.

وذهبتا إلى تلك البلدة التي تبتعد عن المدينةحوالي مئة كيلومتر..وعند وصولهما سألتا عن العنوان واتجهتا إليه.
مرّة أخرى تُسد نوافذ الأمل في وجه هذه الإنسانة المعذبة..وتضربها أكفّ القدر ضربات موجعة بلا رحمة.
لم تجد أحداً على العنوان .. وبعد أن سألت الجيران , علمت أنه سافرمنذ زمن بعيد..وأخبروها بأن والدها توفي ودفنه عمها بجوار جثة والدتها..
لم تشأ أن تسأل عن عنوان عمها في الخارج..وقالت لأحلام : هو لا يريدني أ ن أجده..لو كان يريد ذلك لسأل عني بعد وفاة والدي..هل من المعقول أنه لم يخبره أنه وجدني قبل أن يذهب إلى المستشفى.

وذهبت سمر إلى المكان الذي توجد فيه رفاة من حُرمت منهما وحُرما منها..
وبكت عند قبر والديها بكاءً مرّاً..وجلست تُكلم روحيهما:
رحيلكما فجيعة على قلبي..حتى قبل أن أعلم به..فقد غبتما عني قبل أن تغيبا عن الحياة ..تيتمت وأنا بعمر الزهور..وكبرت قبل أواني..رزحت تحت أثقال فوق طاقتي وتحملي..بعد أن ساقني القدر إلى شخصين لا يعرفان معنى الطفولة.. ولا حتى معنى الإنسانية..وليس في قلبهما ذرة من العاطفة والحب.
أيها الراقدان تحت الثرى لقد زرعتما وردة ولم تشما رائحتها..وزرعتما قمحاً ولم تحصداه..
ماذا أقول ؟ أأعزيكما أم أعزي نفسي..ومن محنته أصعب ومُصابه أقسى....؟
أنتما الآن مرتاحان وبعيدان عن هذه الدنيا الزائلة..وأنا من يتعذب ويتلقى سهام الألم من كل حدب وصوب..
إن السنبلة التي بُعثت من حبة الحنطة الميتة..يغمرها الزؤان..ويخنقها الشوك..وتغتالها نيران العذاب من جهات الدنيا الأربع..والعصفورة الصغيرة التي بقيت في العش ونجت من بنادق الصيادين, وصلت إلى مناقيد البوم ومخالب الغربان,تنتف ريشها وتمزق لحمها الغض.لا أدري من ذلك المعتوه الذي قال ...الحياة يوم لك ويوم عليك...
لم أذكر يوماً واحداً أنها كانت لي.. بل هي والموت علي كل الأيام..
أمي الغالية ..ليس ثمة ما يذكرني بك غير صورة صغيرة ,ما زلت أحتفظ بها دون أن أعلم أنها لك..ولم يروي لي أبي عنك شيئاً.. أذكر عندما سألته من هي صاحبة الصورة قال لي :إنها زوجتي...
أحسست حينها بأن خافقه ينعصر حزناً..لم أكن أعلم حينها أنك أمي..
وأنت يا أبي .. يا بابا سالم...هكذا تركتني ورحلت..قم انظر إلى طفلتك الصغيرة التي كنت تجلب لها الحلوى وتروي لها الحكايات...الطفلة التي تركتها في الحديقة صغيرة تلهو..أصبحت صبية الآن..كبرت وهي تحلم بأن تلقاك ..ولم تغب عن بالها لحظة واحدة....
نظرت إلى السماء..وقالت..يا رب إرحمهما..وارحمني أنا أيضاً لأنني مت منذ زمن..
وكم من أموات في عالم الأحياء .. وأحياء في عالم الأموات.


يتبــــــــــــــــــــع ........
كنعان كنعان
كنعان كنعان
مشرف منتدى الشعر والزجل والخواطـــــر

عدد الرسائل : 568
العمر : 54
الموقع : سوريا / قطر- الدوحة
العمل/الترفيه : شيف مطبخ / كاتب
تاريخ التسجيل : 28/02/2008

http://www.kanaan.ahlamontada.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

رسالة من فوق التراب ( قصة حقيقية) Empty رد: رسالة من فوق التراب ( قصة حقيقية)

مُساهمة  كنعان كنعان الأربعاء أكتوبر 29, 2008 6:38 pm

10 ( العودة إلى الزنزانة )



لم تسافر سمر في ذلك الوقت ...فقد قررت أن تبقى في بلدها , ريثما تلملم جراحها..وتداوي آلامها..
لكن يبدو أن هذه الإنسانة خُلقت لتشارك السيد المسيح تحمّل آثام البشرية من آدم وحتى قيام الساعة.
أيضاً وأيضاً يهاجمها القدر هجوم ذئب على نعجة ضالّة.
عادت ذات يوم من السوق..حيث كانت تشتري بعض الحاجيات بصحبة صديقتها, وبعد لحظات من دخولها غرفتها
سمعت وقع أقدام بالقرب من بابها..يليها قرع مفاجيء وشديد على الباب..
قالت لنفسها بخوف: ترى من يكون الطارق ..إنها ليست أحلام فقد ذهبت لتوها إلى بيتها..
وبقيت مكانها ملتزمة الصمت ..لكن القرع ازداد شدة ..نظرت إلى الرتاج الداخلي للباب لتتأكد أنها أغلقته جيداً..
صاح الشخص الواقف في الخارج : افتحي يا سمر.. أنا متأكد أنك في الداخل..
ما إن سمعت الصوت ..حتى وضعت يدها على فمها وشهقت هلعاً..وكاد أن يغمى عليها.. فقد عرفت صاحب الصوت جيداً..وهل ينسى السجين صوت سجّانه..
وعاد يصيح من الخارج بصوت أعلى: افتحي يا سمر هذا أنا ..أبوك.
لملمت ما تبقى لديها من شجاعة وقالت: أنت..أنت لست أبي يا سيد يوسف..فماذا تريد مني؟
: أريدك أن ترافقيني إلى البيت ..أمك بانتظارك..وستغفرلك هروبك ..وستسامحك.
: أمي..؟ قالتها بشيء من السخرية وأضافت..أمي ماتت وأبي كذلك , أنتما لستما والدي ..ولا أريد الرجوع إليكما.
: ولكن ..من أخبرك بذلك..؟
: اكتشفت الحقيقة... ولن أقول لك من أخبرني بها.
: لكننا نحبك ونريد مصلحتك..لقد تألمنا على فراقك..ولم أصدق نفسي حين رأيتك صدفة في السوق..وتبعتك إلى هنا
لم آتي لأذيتك..فقط أريدك أن تعودي معي إلى البيت وسيتغير كل شيء..أعدك بذلك .. فقد ندمنا على معاملتنا السيئة .
: لا أريد أن أعود إلى ذلك البيت..ولن تستطع أن تجبرني على ذلك..ليس لديك السلطة .. فأنت لست والدي.
: بل أستطيع إذا أردت..فأنتي ابنتي بالتبنّي..والسلطات ستجبرك على الانصياع لأوامري والعودة إلى البيت..فإمّا أن تعودي الآن بإرادتك .. وإما أن تعودي رغماً عنك .. فاختاري.
وأخيراً وبعد نقاش طويل استسلمت له ولتهديداته وفتحت له الباب.
وعادت معه إلى البيت بعد أن لملمت أشياءها من الغرفة .. وسألته أن تخبر أحلام فقال لها ستخبريها لاحقاً ..ستسطيعين الخروج ساعة تشائين.. هيا بنا الآن.

وعادت إلى مهد عذابها ومنبع تعاستها..ففي هذا البيت نَمَتْ نبتة الشقاء..حتى أصبحت شجرة لا تثمر إلاّ الخوف والألم والوحدة..
ومرّة أخرى ينتصر القاتل على الضحية..والظالم على المظلوم..
تلك هي الحياة....القوي يأكل الضعيف..ويصفق له ضعفاء النفوس وهو يمسح فمه من دماء ضحيته البريئة بضمير مرتاح ونفس مطمئنة..
تلك هي الحياة.. الجميع يتناول حجر ليرجم إنسانة هربت من وجه القدر ووقفت أمامهم كالنعجة التي تنتظر ذبحها
وتهمتها..كما يقولون...أنها زانية , وذات الأيدي التي تحمل الحجارة لرجمها, بالأمس كانت تداعب جسدها..
ثم تذهب لتسرق وتقتل, وتأكل خبز اليتيم والأرملة..
يا لهؤلاء الناس المتغطرسين..تفوح من أجسادهم رائحة العطور الباريسية الفخمة..وتختمر دواخلهم بروائح الفساد والحقد..وتنبعث من قلوبهم براكين الشر والكراهية.
وسمــر تلك الفتاة البريئة الطاهرة..أشبه بخشبة في عرض البحر, تتقاذفها الأمواج هنا وهناك, ثم توصلها إلى جزيرة نائية... وكقشة تحملها الرياح العاصفة..لترميها في مكان هربت منه وتكرهه..
أحْنَتْ رقبتها للسيّاف ..بعدما أيقنت في قرارة نفسها أنه لا هروب من القدر.

هل سيذبح لها يوسف العجل المسمّن, وهل ستذهب جوليا لتبشر صاحباتها بعودة إبنتها الضالة.
لا أدري من قال .. الطبع يغلب التطبع.. فهاهو يوسف قد غير كل أطباعه,حيث أصبح يجلس مع سمر ساعات طوال
يحادثها ويسامرها, وقد تغير وجهه العابس إلى وجه ضحوك, ثم إنه يجلب لها الهدايا بمناسبة وبغير مناسبة.
ويكرر اعتذاره عن سوء معاملته لها في الماضي,متّهماً زوجته بأنها كانت مسيطرة ولا يستطيع مخالفتها.. بسبب عجزه عن الإنجاب .
أما جوليا فلم يطرأ تغيير يذكر من قبلها.
كانت سمر تزور صديقتها الوحيدة من وقت لآخر, وأحياناً تنام عندها بضعة أيام.
أحست بشيء من السعادة والحرية ... ولكن إلى متى ستستمر هذه السعادة الزائفة؟
سؤال لم تسأله سمر لنفسها...وقد ظنت أنها وصلت أخيراً إلى شاطيء الأمان والاستقرار..بعيداً عن جزائر العذاب.

يتبــــــــــــــــع ......
كنعان كنعان
كنعان كنعان
مشرف منتدى الشعر والزجل والخواطـــــر

عدد الرسائل : 568
العمر : 54
الموقع : سوريا / قطر- الدوحة
العمل/الترفيه : شيف مطبخ / كاتب
تاريخ التسجيل : 28/02/2008

http://www.kanaan.ahlamontada.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

رسالة من فوق التراب ( قصة حقيقية) Empty رد: رسالة من فوق التراب ( قصة حقيقية)

مُساهمة  كنعان كنعان الأربعاء أكتوبر 29, 2008 6:40 pm

11(المفاجئات لا تنتهــي)




كانت نائمة في غرفتها..في تلك الليلة التي مازالت تذكرها بحسرة وألم.
أحست بيد تلامس منطقة حساسة من جسدها..خيل إليها أنها تحلم , لكن تلك اليد وصلت إلى موضع أكثر إحساس.
استيقظت مذعورة .. فوجدته جاثياً بجانب السرير, يداعب جسدها البض .
صرخت بأعلى صوتها : ماذا تفعل أيها الحقير..؟ اخرج من هنا حالاً.
وصرخت أيضاً وأيضاً..ونادت زوجته, لكن دون جدوى, لأن جوليا خرجت ولن تعود قبل ساعتين.
وعاد يمد يده القذرة إلى جسدها الطاهر, فدفعته بما أوتيت من قوة وركضت باتجاه الباب, لكن الوحش كان قد أوصده وخبأ المفتاح.
توسّلت إليه : أرجوك دعني, ليكن عندك رحمة..هل نسيت أنني بمثابة ابنتك؟
لكن الذئب استمر في مطاردة الفريسة, وفي عينيه وحوش الشهوة القذرة, وانقض عليها ثم ألقاها على السرير, ورمى بجسده النتن فوقها, ثم نزع عنها ثيابها وقال : أريد أن أجني رحيق زهرة ربيتها .. فأنا أحق من غيري بها.
غابت عن الوعي, واستمر هو بما يقوم به, وفقد البقية الباقية من إنسانيته, وأفقدها في لحظة أعزّ ما تملك.
لم تشعر بشيء إلا عندما عاد إليها وعيها كان قد غادر الغرفة ..تاركاً فيها فتاة في منتهى الطهارة وقد جعلها إمرأة في لحظات, ودنّس جسدها بقذارته وغرائزه الحيوانية.
بكت ..صرخت ونادت بأعلى صوتها, ولكن ليس ثمة من يسمع, كيف يسمع صوتها الآن وهو لم يسمعه عندما كان يفعل فعلته الشنيعة, إنه لا يسمع إلا أصوات الشياطين في داخله.
ارتدت ثيابها وسترت جسدها المُنتهَك , ولزمت غرفتهالا تعرف ماذا ستفغل, وقد شلّت الصدمة تفكيرها.
بينما هو جالس يشرب الخمر و يمثل دور الثمِل, عادت جوليا إلى البيت , ركضت إليها سمر بعدما سمعت صوتها
تتكلم معه, قالت لها وهي تبكي :لقد فعل زوجك فعلة شنعاء معي ...
: ماذا فعل هذا العجوز السكير ؟
: لقد اغتصبني وأفقدني عذريتي.
: ماذا... ماذا تقولين..يوسف فعل هذا؟
: نعم, فعلها بك إجرام ووحشية.
صرخت بأعلى صوتها : كيف فعلت ذلك أيها الندل...؟
لكنه ظلّ جالساً يضحك وكأنه لم يفعل شيئاً..ويقوم بحركات كالسكارى.
: أنت الآن سكران, لكن ما إن تصحو أيها القذر , سيكون حسابك عسيراً.

عادت سمر إلى غرفتها تجرّ وراءها أزيال الخيبة والهزيمة...وجلست تشكو نفسها لنفسها....
ماذا أفعل الآن .. ألهذه الدرجة وصلت به الدناءة , مثل علي دور الأب الحنون ليصل إلى مأربه...
ترى ماذا ستفعل زوجته...ومهما يكن ما ستفعله هل سيعيد إلي ما فقدته؟
إنه ذنبي..لقد أخطأت بالعودة إلى هذا البيت المشؤوم .. يجب أن أرحل في الحال وإن منعني أحد, سأقتل نفسي.
ولملمت أشياءها , وملأت حقيبتها وغادرت دون أن يراها أحد منهما.


نادراً ما يتكرر مشهداً من حياتنا بذات التفاصيل الدقيقة.. لكنه تكرر مع سمر وكأنها سجلته على شريط وتعيد الآن مشاهدته... فهاهي تسير لوحدها في ذات الشارع .. وذات الحقيبة معلقة على كتفها.. وتأخذها خطاها إلى المكان عينه
الذي وصلت من قبل.
بيد مترددة ضغطت على مفتاح الجرس , وبعد لحظات فتحت لها أم أحلام الباب , ورحبت بها.
قالت سمر : متأسفة لإزعاجك يا خالتي..أعرف أن أحلام قد سافرت, لكن هل تسمحين لي بالبقاء عندكم لوقت قصير.
: تفضلي يا ابنتي...تستطيعين البقاء طوال حياتك .
ودخلت إلى بيت صديقتها.. وبعد أن ارتاحت قليلاً كررت اعتذارها و أخبرتها بكل شيء.
فقالت لها السيدة : نامي الآن يا ابنتي وغداً سنتصل بأحلام ونخبرها بالأمر.
لم تنم بل بقيت تتخبط في الفراش حتى الصباح...وعندما استيقظوا أهل صديقتها , تناولوا فطارهم معاً ..
ثم اتصلت بأحلام وأخبرتها بما جرى .. وطلبت منها أن تتصل بالمكتب لتؤمن لها سفرة .
وعلى الفور اتصلت أحلام بسامر وطلبت منه أن يؤمن سفرة لسمر بأسرع وقت ممكن.


يتبـــــــــــــع .......
كنعان كنعان
كنعان كنعان
مشرف منتدى الشعر والزجل والخواطـــــر

عدد الرسائل : 568
العمر : 54
الموقع : سوريا / قطر- الدوحة
العمل/الترفيه : شيف مطبخ / كاتب
تاريخ التسجيل : 28/02/2008

http://www.kanaan.ahlamontada.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

رسالة من فوق التراب ( قصة حقيقية) Empty رد: رسالة من فوق التراب ( قصة حقيقية)

مُساهمة  كنعان كنعان السبت نوفمبر 01, 2008 5:35 pm

12 ( إلى العمل من جديد)
والمفاجأة الكبرى






وبقيت سمر باستضافة أهل صديقتها , إلى أن أرسل لها المكتب تأشيرة الخروج...
ثم سافرت إلى ذات المدينة التي زارتها سابقاً.. لكن إلى فندق آخر..
كانت أحلام في مدينة أخرى أما المدير في المدينة عينها..
سمع سلطان من أحد الزبائن , أن سمر عادت إلى العمل في نادي ليلي تابع لأحد الفنادق..
وكعادته أصبح يأتي يومياً ليراها, وعاد يفتح معها موضوع الزواج من جديد.
عادت بعد ليلة شاقة إلى غرفتها , وجلست تستعيد في مخيلتها شريط الأحداث الأخيرة من مأساتها, وعنما وصلت إلى حادثة اغتصابها, أوقفت الشريط وأعادت المشهد عدة مرات.
ثم قالت لنفسها : سأتزوج من سلطان..سأخبره بأنني موافقة .
اتخذت قرارها هذا لأنها تريد أن تستقر في كنف زوج يرعاها ويحميها.. وينقذها من حياة الليل والملاهي..ويبعد عنها شبح يوسف , حيث لا يستطيع إرجاعها إلى البيت إذا تزوجت.
تناولت هاتفها وطلبته. .. ومن الرنة الأولى أجاب...
: ألو ...أهلاً حبيبتي.
: مرحبا...سلطان
: أهلاً بالقمر الذي وصل نوره إلي عبر شاشة الهاتف.
: اسمع سلطان..أنا فكرت بالموضوع مليّاً.. وأنا موافقة على الزواج منك بعد انتهاء عقد عملي مع الفندق.
قفز من الفرحة وقال : آه يا سمر كم كنت أنتظر ردّك هذا بشوق..والآن بعد أن سمعته لم تعد الدنيا تسعني.
: لكن قبل كل شيء..أريد أن أصارحك بأمرين هامين.
: قولي ما شئت, وضعي الشروط التي تريدينها.
: لا ليس لدي شروط..ولكن أريدك أن تعرف شيئاً قبل أن نتزوج.
: تفضّلي.
: أنا متزوجة من قبل, والآن مطلقة.
: لا يهمني ذلك يا حبيبتي...حتى ولو كان لديك أولاد أيضاً
: ليس لدي أولاد .. لكن هناك أمر آخر اريدك أن تعرفه.
: وما هو ؟
: توفي والدي عندما كنت صغيرة, ونشئت في دار للأيتام.
: أيضاً ليس هناك أية مشكلة.. سأكون أباك وأمك وزوجك.. وكل شيء بالنسبة إليك.
: حسناً... لقد صارحتك بذلك, حتى لا تكتشفها لاحقاً وتتفاجأ بها.
: حبيبتي.. لا يهمني شيء إلاك...أنا أريدك كما أنت..هكذا سمر التي عرفتها هنا صدفة.
وهكذا تم الاتفاق على كل شيء..ومن ثم أخبرت أحلام والمدير بذلك..وشرحت لهما اسبابها, فتمنيا لها السعادة.

وقبل أن يأتي موعد الزفاف, كانت المفاجأة المستحيلة....التي لم تكن تتوقعها أبداً.
اكتشفت أنها حامل.. وممّن..؟ من ذلك الرجل العقيم الذي لا ينجب... كيف تم ذلك ..وما هذه المفاجأة.
إنها تقع في حفرة عميقة لا تعرف كيف تخرج منها , ففي أحشائها جنيناً, وسوف ينمو وينفضح أمرها..ماذا ستقول لسلطان , وأي كذبة ستخترعها , بعد أن كذبت سابقا وقالت له أنها مطلقة.
أيام وسيبدأ بطنها بالتكور.. وسيقترب موعد زفافها.. ماذا ستفعل ...ليس أمامها إلا الاتصال بأحلام ..التي تنقذها دائما.
صعقت أحلام للمفاجأة, ولم تصدق ما يحدث... وطلبت من سمر أن تخبر سلطان بتأجيل الموعد المقرر..لأنها مضطرة للسفر إلى بلدها لأمر هام وأيضاً لتحضر الأوراق المطلوبة لزواجهما.
قالت لها أحلام : بعد أسبوع سأنهي عقدي.. وأعود إلى البلد..يجب عليك العودة معي..أخبري الفندق بذلك.


وبعد ثمانية أيام كانتا على أرض الوطن..وقبل أن تفعل سمر شيئاً ..ذهبت إلى الطبيب وتأكدت من حملها.
ثم ذهبت إلى يوسف.. وطلبت منه أن يذهب معها إلى الدوائر الحكومية , للإمضاء على أوراق زواجها..حيث تريد موافقته باعتباره ولي أمرها,وهذا مطلوب لأنها ستتزوج في بلد آخر .
ذهبت إليه هذه المرة قوية غير مترددة, فهي تملك الورقة الرابحة..
وبع الاستقبال الجاف من قبل يوسف وزوجته..طلبت منه الموافقة على زواجها.. فقابلها بالرفض.
هنا فجّرت سمر القنبلة في البيت, وواجهته بالحقيقة التي في أحشائها.
لم يصدقها واتهمها بالافتراء عليه ,بعد أن حملت من رجل آخر.
لكنها أصرت بأن الجنين منه..وطلبت منه مرافقتها إلى الطبيب لإجراء الفحوصات والتأكد من أنه من صلبه.
وافق على الفور.. وهو متأكد أيضاً أنه عقيم وسيثبت لها ذلك...
لم تستطع جوليا التي سمعت الحديث من أوله أن تضبط أعصابها, وأيقنت أن أمرها سينكشف , فانهارت واعترفت
بأنها لعبت تلك اللعبة القذرة مع الطبيب الذي كشف عليهما في الماضي..وأعطته مبلغاً من المال ليستر عقرهاوينسب ذلك إلى زوجها.. حيث زور الطبيب الأوراق واعطاها ليوسف.
وبقيت هذه الحقيقة طي الكتمان , ولم تتوقع جوليا بأن يأتي هذا اليوم وينكشف أمرها.

حصلت سمر على الموافقة من قبل يوسف وصدقتها من السفارة ثم استكملت بقية الأوراق المطلوبة.
وبعد ذلك ذهبت مع أحلام إلى أحد الأطباء الذي يقتل الأطفال الأبرياء في أرحام أمهاتهم, مقابل حفنة من المال.
كان عليها أن تفغل ذلك ..فهي لا تريد أي شيء يذكرها بذلك الوحش , تخلصت من جنين بريء ذنبه أنه من نطفة
دنسة لمن كان يدعي أنه والدها ثم دنّس شرفها.
أتمت كل شيء وسافرت إلى سلطان لتتزوج به.. وتكمل حياتها بهدوء وطمأنينة.

يتبـــــــــــــــــع ........
كنعان كنعان
كنعان كنعان
مشرف منتدى الشعر والزجل والخواطـــــر

عدد الرسائل : 568
العمر : 54
الموقع : سوريا / قطر- الدوحة
العمل/الترفيه : شيف مطبخ / كاتب
تاريخ التسجيل : 28/02/2008

http://www.kanaan.ahlamontada.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

رسالة من فوق التراب ( قصة حقيقية) Empty رد: رسالة من فوق التراب ( قصة حقيقية)

مُساهمة  كنعان كنعان السبت نوفمبر 01, 2008 5:38 pm

13 ( ليلــة العمــر )




كان زفافاً بسيطاً لتلك الفتاة البسيطة..التي لم تحلم يوماً بثوب الزفاف.. ولا بيد أباها تقودها لتسلمها للعريس المنتظر.
وكيف تحلم وقد قُتلت أحلامها في زوايا تلك الغرفة الضيقةالتي امتصت أجمل أمنياتها.. وأطاحت بكل تخيلاتها.
كانت تكره الحلم, لأنه يأتي في الليل..وتكره الليل لأنه يحبسها في غرفتها..
لو أن الرب عند التكوين ..نسي أن يخلق الليل ,لما كان ذلك أفضل..؟
لو أنه لم يخلق سوى النهار, النهار نور وحياة أما الليل ظلام وموت..
لذلك يلبسون لون النهار في الأفراح ولون الليل في الأحزان.
وها قد أتى النهار الذي تلبس فيه سمر ثوباً بلونه...بعد أن خلعت عن جسدها لون الليل الذي لازمها طويلاً..
ها هي عروساً في ليلة العمر..جلست أمام المرآة في تلك الغرفة الفخمة في الفندق الذي نزلت فيه ريثما ينهي سلطان إجراءات الزفاف..
تناولت القلادة المعلقة على عنقها.. فتحتها ونظرت إلى الصورتين..وعند الحد الفاصل بين الواقع والخيال, رأتهما يحتفلان بعرسها..رأت دموع الفرح في عينيهما..وهما يمنحانها بركاتهما بكل رضى ومحبة..
نظرت إلى وجهها في المرآة ..فوجدت دموعها تخرج من مقلتيها بيضاء , ثم تنهمل إلى خديها سوداء بعد مرورها بكحل عينيها..
وكأن هذه الدموع تحكي حكايتها مع الزمن , عندما ولدت كانت حياتها بيضاء صافية, ثم تحولت إلى السواد الحالك..
وكلما رأت بريق نور بعيد .. تأتي الأيادي الساديّة وتغلق منفذ النور, ليبقى الظلام مهيمناً.

تم كل شيء وها هي زوجة لرجل لا تعرف عنه شيئاً غير اسمه..تزوجت من شخص تعرفت به في مكان أجبرتها الظروف القاهرة لتعمل فيه فترة من الزمن... تزوجت وهي غير مقتنعة بذلك..لكن كان عليها الاختيار بين أمرّين أحلاهما علقماً..
كان اختيارها اختيارشخص يقف بين النار وبين الماء..ينظر يمينه فيجد النيران تهرول إليه مسرعة وهي تلتهم كل ما يعترض طريقها...وينظر يساره فلا يجد غير بحر هائج تهدد أمواجه كل من يقترب منها..وعليه أن يختار في لحظات.. إمّا أن تأكل النيران جسده وتحيله إلى رماد يتطاير مع الرياح.. وإمّا تبتلعه الأمواج وتحوله طعاماً للأسماك.
فيفضل اختيار المياه اعتقاداً منه أنها أرحم من ألسنة اللهب, وتمسكاً بخيط رفيع من الأمل ..ربما يأتي أحدهم وينقذه قبل أن يغرق.
هكذا فعلت سمر ..هربت من نار كانت تطوقها من كل صوب, لترمي بنفسها في بحر هائج مجنون..
بعد زواجها بأشهر قليلة ,دارت رحى الأحداث ,لتطحن ما تبقّى لهذه الإنسانة من بذور الحلم والأمل.
واكتشفت أن سلطان متزوج اثنتين غيرها ..بعد أن أصبح يتغيب كثيراً , ويهمل واجباته الزوجية..وبدأ يعاملها كخادمة في البيت..وأصبح يهددها بالطلاق بسبب و بدون سبب.
وانتهت هذه المحطة البائسة من رحلة القهر ..وطلّقها بعد نقاش حاد وجدال عقيم مع رجل- إن كان يستحق هذا اللقب-همه الوحيد اصطياد الفتيات بكلامه المعسول ووعوده السرابية..ثم يتزوج من التي تقع في الفخ..ويطلقها بعد أن يشبع شهواته الدنيئة و غرائزه الحيوانية..ويتابع طريقه في اصطياد فريسة أخرى ..إنه الطير الحر كما قال لها.
طلّقها و لم يفكر في طفله الذي في رحمها.. بعد أن خلع عن وجهه قناع الشاب الطيب الذي يحب من كل قلبه, ويفتش عن السعادة والاستقرار.
وكم من أشخاص على شاكلته..تجردوا من مشاعر الإنسانية , ووضعوا ضمائرهم- إن كانت موجودة أصلاً- في مكان درجة حرارته ألف تحت الصفر.
أشخاص سكنت الشياطين نفوسهم والويل لمن يخالف وصاياها...
أشخاصاً لز ماتوا في أرحام أمهاتهم , لكان ذلك أرحم لهم وللبشرية جمعاء.

وعادت سمر إلى بلدها , تحمل جرحها في حقيبتها وغصّة في حلقها وثمرة اتحاد جسدين غيرمتكافئين في أحشائها.
عادت تحمل على كتفيها قناطير من الخيبة وجبال من الهزيمة..
تمنت الموت قبل أن تصل إلى مدينتها,وهل من فاصل بين الحزن والموت..إنهما تؤمان لا يفترقان..يلازم أحدهما الآخر بكا إخلاص وموّدة.
وبكت سمر ... وقد اعتادت على البكاء و اصبح صديقها الوفي الذي لا يتركها ليصاحب واحدة أخرى,بكت وليس هناك من يرى دموع العصافير..
حالها كحال من تهرب من السعادة وتبحث عن الأحزان, وتنادي بأعلى صوتها أين أنت يا بائع الحزن.. تعال إلي لأشتري منك كل ما لديك دفعة واحدة.. وأدفع لك الثمن بدموعي السخيّة وحسرة قلبي وحرقته..تعال واعطني كل ما لديك حتى لا تعود مرة أخرى , لكن بائع الأحزان لا تنفق بضاعته أبداً..يشتري الأحزان بالضحكات الشيطانية ويبيعه بماء العيون.
عادت إلى غرفتها الصغيرة ..بجانب بيت صديقتها..التي أصبحت تخجل من مقابلتها..بعد هذه الهزيمة وبعد الارتباط الفاشل الذي نصحتها بعدم الإقدام عليه..
هذه المرَة لم تفكر بقتل الجنين كما فعلت سابقاً.. بل كانت تنتظره بغارغ الصبر لينقذها من وحدتها وينسيها آلامها.
لا تريد أن ترمي به في سلّة المهملات, بل قررت أن ترمي به في حضنها وعلى صدرها..رغم أنه سيذكرها بماضٍ أليم وذكريات جارحة..

يتبــــــــــــع .....
كنعان كنعان
كنعان كنعان
مشرف منتدى الشعر والزجل والخواطـــــر

عدد الرسائل : 568
العمر : 54
الموقع : سوريا / قطر- الدوحة
العمل/الترفيه : شيف مطبخ / كاتب
تاريخ التسجيل : 28/02/2008

http://www.kanaan.ahlamontada.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

رسالة من فوق التراب ( قصة حقيقية) Empty رد: رسالة من فوق التراب ( قصة حقيقية)

مُساهمة  كنعان كنعان الإثنين نوفمبر 03, 2008 3:16 pm

14 ( العودة إلى الميتم )

وجاء اليوم المنتظر , وأحست سمر بآلام الوضع, فنقلتها أحلام التي كانت لا تفارقها في هذا الوقت , إلى المستشفى.
وتمت الولادة بشكل طبيعي...
: الحمد لله على السلامة..قالت أحلام عندما دخلت إلى غرفة سمر في المستشفى.
: شكراً لك يا صديقتي , وشكراً لكل ما تفعلينه من أجلي.
وجلست أحلام على طرف السرير , تنظر إلى المولودة الصغيرة.
: ماذا ستسميها ؟
: ليلى ...على اسم المرحومة جدتها..
: عاشت الأسامي,ليلى اسم جميل جداً.. متى قال لك الطبيب يمكنك الخروج......؟
: قال بإمكاني غداً, فحالتي جيدة ولا داعي للبقاء.
: إذاً سأمر عليك غداً , ونذهب إلى بيتنا ..لنعتني بليلى معاً.
: لا أعرف كيف أردّ لك الجميل يا صديقتي..
: أنا لا أريد إلا سعادتك..وسأبقى بجانبك حتى نهاية العمر.
: فعلاً مهما فعلت لا أكافئك..
: أنا لا أنتظر منك مكافأة..لكن كل ما أريده أن لا تتصرفي بطيش مرة أخرى..وأن تسمعي نصيحتي.
:أعتذر يا أحلام...ليتني سمعت كلامك, ولم أتزوج من ذلك الــ....
: على كل حال هذا نصيبك.
: وأنت ..؟ متى سيأتي نصيبك...؟
: قريباً جداً يا سمر..إنه قريبي..وقد تكلم معي ..وسيأتي الأحد المقبل ليكلم أهلي ويطلبني.
: ومتى ستحدون الزفاف..
: لم نتفق بعد ..لكن قريباً ..ولا تحتاجين إلى دعوة طبعاً.
: ليوفقك اللـه ويجعللك أسعد إنسانة في الكون.
وانتهى الحوار واستأذنت أحلام من صديقتها وذهبت إلى بيتها.
وفي صباح اليوم التالي خرجت سمر من المستشفى , وذهبت إلى بيت صديقتها, وهي تحتضن صغيرتها وتغمرها بكل العاطفة والحنان.
لقد أصبحت الطفلة الصغيرة أمـّـاً...وأحست بعاطفة الأمومة التي حُرمت منها طوال حياتها..
ستبذل قصار جهدها لتحمي هذه الطفلة وترعاها..ولتغمرها بحنانها حتى لا يكون مصيرها كمصير والدتها الأسود.
وهكذا بقيت سمر عند أحلام..حوالي ثلاثة أشهر..
وبينما هي جالسة تفكر بحالها قالت لنفسها..يجب أن أجد عملاً أوفر منه المال لمصروفي ومصروف صغيرتي, فالمال الذي ادخرته يكاد أن ينفذ..ثم إلى متى أبقى هكذا بدون عمل وفي استضافة أحلام..قريباً ستتزوج وتترك بيت أهلها...ويجب أن أغادر أنا قبل ذلك.
في اليوم التالي حملت طفلتها وتوجهت إلى دار الأيتام الذي نشأت فيه... وسألت عن المسؤولة هناك ..وقابلتها..
وعندما رأتها أنها كبيرة في السن سألتها : منذ متى تعملين هنا يا سيدتي...؟
أجابت المسؤولة وهي تنظر إليها من فوق نظارتها : أوه ..منذ زمن بعيد ..حوالي ثلاثون عاماً.
بانت على وجه سمر علائم الارتياح وقالت : هل تذكرين هذا الاسم..؟ وناولتها بطاقتها الشخصية.
نظرت المسؤولة إلى الاسم وقالت : حقيقة لا أذكره..
: أنا تربيت هنا ..عندما كنت صغيرة.
: يا ابنتي لقد مر علي أسماء بعدد شعر رأسك في هذه الدار..ولا أستطيع تذكرها جميعها..لكن بإمكاني إيجاده في السجلات إن كنت تريدين... منذ متى كنت هنا ؟
: منذ إحدى وعشرون سنة .
توجهت السيدة إلى خزانة مملوءة بالسجلات والدفاتر , وتناولت سجلاً ثم جلست وراء مكتبها وفتحته..
وبعد أن فتشت في صفحاته قالت : لقد وجدته...آه لقد تذكرتك الآن ..من خلال الملاحظات المدونة هنا.
أغلقت السجل ونظرت إلى سمر بتساؤل : وماذا تريدينني أن أخدمك يا ابنتي؟
نظرت سمر إليها بخجل , ثم روت لها قصتها باختصار وطلبت منها إن كان باستطاعتها أن تؤمّن لها عملاً في الدار
ولو بأجر بسيط يكفيها مع رضيعتها الكساء والطعام.
وافقت المسؤولة على توظيف سمر وقالت لها : بصراحة نحن بحاجة لمربّية.. وباعتبارك خريجة هذه الدار , فأنت أولى من غيرك..تستطيعين المباشرة متى أردت.. وأهلاً وسهلاً بك.


وهكذا اشتغلت سمر من جديد .. وتركت الملاهي والنوادي الليلية..وما زالت إلى حين كتابة هذه الرواية في دار الأيتام
الذي ترعرعت فيه..
هل يا ترى ابتعد القدر عن طريقها , وتركها تعيش حياتها بعيدة عن العذاب والقهر والحرمان .





تمّــــت
في 21/تمــــوز / 2007
تحياتي لكم

كنعان الياس كنعان
كنعان كنعان
كنعان كنعان
مشرف منتدى الشعر والزجل والخواطـــــر

عدد الرسائل : 568
العمر : 54
الموقع : سوريا / قطر- الدوحة
العمل/الترفيه : شيف مطبخ / كاتب
تاريخ التسجيل : 28/02/2008

http://www.kanaan.ahlamontada.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى