في رحيل عازار حبيب

قبل أيام استرعاني احدهم بأغنية عادت بي لذكريات الطفولة, كنت اسمع هذه الاغنيات واحبها كأي طفل يتعلق باغنية جميلة ويسمعها ويحفظها
اليوم اسمع هذه الالحان وهذه الاغنيات ولا اكاد اصدق مدى جمال وروعة الالحان وبساطتها وكم هي اغاني تدخل الى الاذن كأداة منظفة مقارنة بالموسيقا التي نسمعها اليوم

انا لا احاول يا اخوان ان انتقد احد هنا, تحية من القلب ومن الاذن لكل عمالقة الزمن الماضي بدون ذكر الاسماء والالقاب انا اخترت اليوم ان اتكلم عن عملاق من هؤلاء العمالقة لانه وللاسف وقبل مدة ليست بطويلة انطفأ شهاب مضيء في عالم الفن الأصيل واللحن الرقيق ... رحل عن عالمنا عازار حبيب, ذلك الفنان المبدع الذي غاب فجأة دون أي ضجة اعلامية او اي تكريم مستحق يذكر .‏

عازار حبيب لمن لا يعرفه من الأجيال الحديثة , فنان لبناني أصيل عشق الفن فصب إبداعاته ومواهبه لتشكل تراثاً قائما بحد ذاته في سماء لبنان والوطن العربي... صوته الرقيق وألحانه العذبة التي أسرت الألباب و التي تبعث على الاطمئنان في قلوب السامعين.‏

اجتمعت في أغانيه ثلاث سمات نادرة شكلت نجاحاً فريداً لها وهي الصوت العذب واللحن الجميل والكلمة الرقيقة وهذا سر نجاح أغنياته العديدة وانتشارها بين العشاق والمحبين فمن منا لم يسرح في أمسياته مع (جبين الليل) ومن منا لم يشعر بذلك الاطمئنان الفريد عند سماع أغنية(عم لملم حناني)ومن منا لم تغمره السعادة في (عم تكبر الفرحة) أو لم يتنسم عبير الريف الوادع في (يارايح عاضيعتنا).‏

عازار حبيب الذي ولد عام 1945 في قرية الحوش التابعة لقضاء راشيا ترعرمحباً للفن منذ نعومة أظفاره فكانت بداياته مع الغناء الغربي ثم مالبث أن استهواه الغناء العربي والتلحين حيث عمل في تلحين العديد من المسرحيات الغنائية.‏

ذاع صيت عازار حبيب وطغى في عقد الثمانينيات من القرن الماضي خاصة مع ظهورأغنية (نانا)عام 1980 وتوالت بعدها أغانيه التي ترددت على ألسن العشاق ومنها (شو قولك) و(لولاكي ياملاكي)و(من أي ملاك) وحققت أغنية (صيدلي) نجاحاً فريداً وذاع صيتها في الثمانينيات حتى صبغت أغاني هذه الفترة بطابعها وكان سر انتشارها كلماتها البسيطة المحببة وطابع البهجة والحركة الذي غلب عليها فضلاً عن أداء عازار حبيب المتميز.‏

لم يقتصر تميز عازار حبيب في الأغاني العاطفية الرقيقة بل كان متميزاً أيضاً في الأغنية الشعبية المفعمة بالحيوية مثل أغنية (بدك زقفة) التي ذاع صيتها في الثمانينات وهكذا كان عازار حبيب الفنان الأكثر شعبية في تلك الفترة وكانت جميع شركات الأنتاج الفني تحاول كسب وده وبلغ من شهرته أنه لم يخل ألبوم غنائي تقريباً لأي فنان لبناني في تلك المرحلة من أحد ألحان عازارحبيب حيث لم يقتصر نشاطه الموسيقي على تلحين أغانيه بل قام أيضاً بتلحين العديد من الأغاني لمطربين معروفين مثل أغنية (عازز علي النوم) لهادي هزيم ,وأغنية (عاخدك حبة لولو) التي غناها منعم فريحة وغيرها وقد ساهمت ألحانه المتميزة في انتشارها هذه الأغاني ونجاحها.‏

وفي عقد التسعينات ومع طغيان ثورة الفضائيات وأغاني الفيديو كليب لابد من القول بأن التشوه أصاب أذواق نسبة كبيرة من الجمهور حيث أصبح العديد بقصد أو دون قصد أسرى للنزعة الاستهلاكية السطحية المتمثلة بعصر السرعة,ولم يعد هناك مكان للفن الأصيل إلا نادراً وهكذا لم نعد نسمع شيئاً عن مبدعي الفن الحقيقي كعازار حبيب لكن ذلك لم يعني توقف هذا الفنان عن العطاء فقد كان مؤمنا بوجود أصحاب الذوق الرفيع في كل مكان وزمان وهكذا أطلق ألمبومه الجديد (أحلى السيدات) عام 2002 كنوع من التذكير بأن الفن الرقيق والجميل لا بد أن يستمر حتى في ظل انتشار الأغاني الهابطة.‏

لم يبتعد عازار حبيب عن الإبداع والفن حتى اللحظات الأخيرة من حياته حيث كان يحضرلإطلاق ألبوم غنائي جديد لكن الكلمة الأخيرة كانت للقدر ليرحل تاركاً أغانيه وألحانه الخالدة التي تذكرنا بالزمن الجميل للأغنية اللبنانية.‏

إن فن عازار حبيب حرك فينا الحنين إلى ذلك الزمن الجميل وحرضنا على ترميم ذاكرتنا المثقوبة التي شابها العطب في حاضر طغت فيه المادة وثقافة الاستهلاك.‏

لقدنجح عازار حبيب في شد انتباهنا إلى الجمال الحقيقي في حياتنا هذا الجمال الذي تذوقه هو فترجمه ألحانا عذبة جسدت إبداعه النادر وعبرت عن أحاسيسه المتألقة والمرهفة.‏

عازار حبيب اسم يجب أن لا يمحى من ذاكرتنا لأنه ينتمي إلى رعيل الفنانين العمالقة الذين سطروا إبداعاتهم في سماء الفن وتركوا بصماتهم المؤثرة فيه.‏

برحيله نعم ساشتاق كثيرا لذكريات الطفولة (من اي ملاك) الاغنية التي لطالما شدتني إلى الجمال والحب الصادق الذي كدنا نفتقده في حياتنا لولا أن عازار حبيب أعاد لنا رسم ملامحه في (كوار العسل)و(جبين الليل).‏

فعلا يا انجل خسريتو الاغنية العربية كان عنجد مطرب
بس اغانيه رح تبقى وتخلد اسمه الله يرحمو ويبعتلنا شي كم
عازار يكون حبيب الناس بصوته وتوجهه لنطلع من موجة الهبوط
الفني الحاصل
قولو أميـــــــــــن