ثقافة دينية - الصوم المبارك (3)
صفحة 1 من اصل 1
ثقافة دينية - الصوم المبارك (3)
القديسة مريم المصرية
هذا الأحد وهو الأخير من الصوم نصل فيه الى قمة الحديث عن التوبة، فيما نحن ندنو من الأسبوع العظيم ينتصب أمامنا وجه هذه المرأة الرائعة التي انتقلت من قاع خطاياها إلى ذروة مجدها. تعاطت الفحشاء منذ الثانية عشرة حبا بالفحشاء وليس طمعا بالمال فيما كانت تتقاضاه. مولودة مسيحية في الريف المصري ولكنها انتهت إلى الإسكندرية المدينة المترفة الواسعة حيث كان لها ان تنطلق إلى ملذاتها.
يوما وجدت جمهورا يتراكض إلى البحر وفهمت انه مسافر إلى القدس لإحياء عيد رفع الصليب فخطر لها ان تركب البحر ولا تملك أجرة السفينة. هل كان حجها إلى القدس من باب الفضول ام ان شيئا من مسيحيتها استفاق فيها؟ هنا قررت ان تُسلم نفسها لمن شاء من الركاب لتدفع ثمن الرحلة.
بلغت اورشليم ولكن قوة خفية حالت دون دخولها كنيسة القيامة. تقول سيرتها التي كتبها القديس صفرونيوس بطريرك اورشليم انها رأت من بعد ايقونة والدة الإله ووعدتها بأنها لن تدنس جسدها فيما بعد فسمعت صوتا من السماء يقول: "إذا عبرتِ الأردن تجدين راحة مجيدة". سارت في الصحراء حتى بلغت كنيسة القديس يوحنا المعمدان على نهر الأردن ثم وجدت مركبا صغيرا نقلها إلى الضفة الأخرى فلازمت المنطقة ، و بقيت حوالى نصف قرن كومـة من عظام وشيئًا رقيقًا رقيـقًا من اللحم، تقتات من عشب البرية وتصلي كل الوقت.
بقيت عواصف الميول السابقة تضربها 17 سنة حتى أدركت الهدوء. في ذلك الوقت كان في برية الأردن راهب يدعى زوسيما، والأديرة كانت كثيرة هناك. وكان يظن انه الأكمل بين البشر. غير ان الله اراد ان يبين له من كان اعظم منه. وكانت عادة الرهبان ان يغادروا اديارهم في اليوم الاول من الصوم ليوغلوا في الصحراء كل منهم على انفراد، ويجتمعون أحد الشعانين. وفيما كان يمشي في البادية رأى طيفًا من بعيد وتبين له انه امرأة عارية. خاطبها طالبا ان تقف، فقالت لا استطيع ان استدير اليك فأنا امرأة عارية فإليّ بردائك لاستتر واتمكن من التحدث اليك. فنزع رداءه وألقاه اليها وطرح نفسه على الأرض والتمس بركتها كما التمست هي بركته.
اعترفت بكل ما جرى في حياتها وقالت له ان يعود اليها السنة المقبلة حاملا القرابين المقدسة وعينت له مكان الموعد. فجاء عند الموعد وناولها. وهذا ما نراه في معظم ايقوناتها. وفي السنة اللاحقة جاء ايضا فوجدها ميتة ويداها مصلبتان على صدرها، ووضعها في حفرة ورقدت في سلام الرب في اول نيسان حيث عيدها الأساسي إلى جانب هذه الذكرى.
وضعت الكنيسة هذه الذكرى في آخر احد من الصوم لتقول لنا انه بقي لنا أيام قليلة نلج فيها الأسبوع العظيم المقدس الذي ليس فيه حيرة بين البرّ والشرور، وان أحد الشعانين يؤذن بدخولنا اورشليم اي بلد السلام مع الرب، سلام النفس. وسلام النفس لا يمكن حصوله اذا بقينا مستلذين اية خطيئة، أزِنا كان هذا ام كذبا أم سرقة ام غضبا.
هذا الأحد يوم تصميم على اننا تركنا المرحلة الأولى من حياة مريمنا هذه اي الغياب عن يسوع، لندخل المرحلة الثانية التي نرجو ان تكون الأخيرة وهي ان نلبس المسيح المبارك كليا، بلا تردد، بلا مشاركة لأعدائه، وبلا خلطة مع الظلمة، ليصبح السيد مالئًا كل كياننا الداخلي.
هل أنا اريده وحده؟ هل أنا أجاهد بكل قواي حتى الدم ليكون هو حبي الأوحد؟ هل أعمل بالشهادة والبشارة واللطف والرحمة بالناس وخدمتهم اليومية لأجعلهم جميعًا أسيادًا علي، وهكذا يلتمسون وجه يسوع، ونمشي وراء المعلّم الى اورشليم العلوية التي يسوع مقيم فيها، حتى نبقى له هنا وهناك ونقيم امامه فصحًا أبديًا.
ما لاحَ لي مؤخرا لمّا جاءها الراهب زوسيما ليناولها جسد الرب وجثا أمامها انه لم يستطع الا ان يفعل ذلك لأنـه لم يكن امام مشهد امرأة. كان أمام مشهد نور. وهي طبعًا لم تعرف انها مضيئة إذ ظلت تستغفر كل هذا الزمان وسمّت نفسها خاطئة حتى عـند دنو أجلها.
زانيـة عظيمـة ثم قديسة عظيمـة تلك كانت أمّنـا البارة مريم المصرية في القرن الرابع للميـلاد. أجل دخـلت كنيسـة القيامـة بعـد ان حجـت اليها آتيـة من مصر، وكانت هي اعظـم من كنيسـة القيامة لأن يسوع كان وحده عائشا فيها تناجيه ليل نهار وكانت حافظـة لصلوات الكنيسة والإنجيل استيقظت فيها بعد ان وئدت خطاياها.
القديس صفرونيوس الذي كتب سيرتها في القرن السابع كان يعلم بناء على شهادة الأقدمين انها في فترة اولى قبل حصولها على الهدوء الكامل كانت ذاكرة ذنوبها تُعاودها.
باختصار كلي احببت ان امجد بهذه السطور هذه المرأة العظيمة التي جعلتها الكنيسة في الصوم المقدس نموذجا للتوبة يحتذى به ولتقول لنا ان ما من خطيئة لا تُغفر لان رحمة الله اوسع من كل خطيئة وتذيبها ان اعترفنا بذنوبنا صادقين. ان في الانسان صورة الله كامنة وتتحرك اذا منّ الرب علينا بحنانه. تتحرك عندئذ طاقات الخير فينا وتغمر كمياه الطوفان كل اوساخ المعاصي ولا يبقى فينا الا نور الغفران.
فاذا ما اخذنا نتوب في هذه الأربعينية المقدسة، يزداد نورنا ونمشي مع كل المؤمنين إلى ضياء القيامة، فلا يبقى فينا الا فاعليتها وتصير حياتنا فصحا ابديا.
من احد الفريسي والعشار مرورا بالابن الشاطر حتى يوحنا السلمي وذكر الفضائل انتهاء بمريم المصرية نرى قمم توبة الى جانب آحاد هي ادنى الى التأمل اللاهوتي؛ انما تكمن اهمية مريم المصرية في ان نذكر اننا نحمل عبء الجسد ثقيلا والقلة تنعتق من هذا العبء. غير ان حضور زوسيما في السيرة يذكرنا بأن الذين تحرروا من وطأة الجسد قد لا يتحررون مما هو افتك اعني الكبرياء، كل منا له ضعفه الخاص او ضعفات متعددة، وامام كل هذه الضغوط وداعة المسيح وطراوته. وازاء كل التجارب التي تنتابنا تنتصب صورة مريم المصرية مذكرة بأن الله قادر ان ينشلك من كل نجاسة ويريحك من كل خطيئة مهما ثقلت. المهم الا تستسلم الى اليأس والا تحالف الخطيئة، ان تقول ان المعاصي هي ضد المشيئة الإلهية وان محبة الله معي لكي أفيد منها حتى أَخلص .
قنداق البارة مريم المصرية
لما فررتِ من ديجور الخطيئة مستنيرة بنور التوبة أيتها المجيدة، قرّبتِ قلبك إلى المسيح، مقدّمةً له أمه القديسة البريئة من كل العيوب شفيعة كلية الإشفاق فصادفتِ الابتعاد من الزلات فأنتِ تبتهجين مع الملائكة سرمداً
الأسبوع السادس والأخيرمن الصوم الأربعيني المقدس
هذا الأسبوع الأخير من الصوم نستـعـد فيـه لأحداث ثلاثـة: سبت العازر وأحد الشعـانين والأسبوع العظيم. نستبـق هذا الأسبـوع الـمقـدس بذكـر العازر وصعود الـمسيح الى اورشليم بعد إقامتـه صديقـه. يمرض العازر الثلاثاء، اختاه تبعثان برسل الى الـمعـلم الثلاثاء، يموت الرجل الاربعاء. عرف الـمعـلم ذلـك ليس برسل آخرين ولكـن بسبب من علمه الإلهي ويتقدم الـرب الى بيت عنيا والقوم حزانى. السبت يقام الـميت "الذي أنـتـن"، يدمع الـرب ولكنـه يقيم بصوتـه صديقـه.
تأخذ العبادة الحدث وتفهمه هكذا: "ايها المسيح الإلـه لـما أقمت العازر من بين الأموات قبل آلامـك حققت القيامـة العامـة". اذا كانت إقامـة هذا الرجل ممكنـة صارت إقامتنا معقولـة. ولكن الترتيل يقول شيئا آخر: "قد سبقت يا مخلصي فحققت قيامتك الـمـجيدة لـما اعتقت من الجحيم لعازر" اي هيأت بالأعجوبـة صورة عن قيامتك. الفـرق ان لعازر قام بجسد عادي ثم مات في حينـه واما الـمسيح فقد قـام بجسد نوراني غير قـابل الـموت .
ثم اتخذت الكنيسـة حدث بيت عنيا وذكرتنا انـه علينا بالصيام ان نترك "صداقة الجسد" لنصير أصدقاء الـمسيح، "نحن كنا راقدين رقاد الـلذات وقلبنـا تخترقـه سهام الشياطين، نحن كنا في قبر الكسل وعدم الإحساس، الـمغـلق بباب اليأس، الـرسل الذين بعثـت بهم اختا العـازر هما العمل والتأمل اللذان يحييان العقـل الراقد في القبر كالعازر آخر". وهكـذا يمكن ان نرى انفسنا قـائمين بالتـوبـة والتقشـف .
ثم يأتي احد الشعانين الذي نرتل فيه الطروبارية نفسها التي رتلناها في سبت العازر كأن هذين العيدين عيد واحد ويظهران المسيح الواحد، يظهران ألوهيته في إقامة صديقه وناسوته في ركب الجحش. فاذا طفنا بسعف النخل يوم الأحد نصوّر صعودنا مع الـمسيح الى اورشليم، يا ليت البالغـين وليس فقط الأطفال يحملون الشموع الـمزينـة بالـزهـور. سعـف النخل وأغصان الزيتون هي لقـاؤنا مع الـمسيح بالفضائل التي نلنـاها في الصوم، واذا لم نحصل على ايـة فضيـلـة في الصيام نكـون قضينـاه فـقـط كأنـه حميـة طعاميـة .
ينتهـي الصوم الأربعينـي يـوم الجمعـة مسـاء مـن الأسبـوع السادس . وبين سبت العازر وسبت النـور سنكون في صوم آخر. ننتقـل مـن صوم نسكـي الى صوم مركّز على سـر الشكـر، على جسد الـمسيـح ودمـه، نحـن في انتظار العريس، نرجو الى اللـه ان يؤهلنا لرؤيــة آلامـه .
ثم يأتي أحد الشعانين. في فلسطين كان النساك يعودون الى اديرتهم بعد ان يكونـوا قضوا الأربعين في البريـة. العلمانيون لهم ايضا بريتهم في النفس. هكذا يتـوحد العالم كلـه برجـوع كل واحد منـا الى قلبـه الذي هـو الـمسيح، نمشي لـمقابلـة السيد حامـلين الصليب وممجدين الـرب بالفضائـل حتى يـأتي يوم الدينـونـة الذي نجتمع فيه في حضرة الـمسيح الأخيـرة .
هكذا يحل الأسبوع العظيـم . نذكر فيه آلام الـرب تاريخيا ونحقـقـها في الخدمـة الإلهيـة ونجعـلها دربا الى الحيـاة الأبديـة .
قد نكـون قضينـا الصـوم كلـه بتهاون لا نبالي بالعمـق الروحي الذي كان لنا في الصوم . ممكـن "نلحق حالنـا" في الاسبـوع العظيم؛ فلنمسـك، اذ ذاك، عن الزفر ونجمع حواسنا وفكـرنا في الـمصلـوب ولنشـارك في الصلـوات الـمسائيـة، واذا تبنـا حقيقـة ندنو من جسد الـرب لنصبـح بشرا جددا حتى لا يداهـمنـا العيد عن غير استحقـاق اذ كيـف تنشـد شفاهنـا والقـلب لا ينشـد؟ الـمسيح قام ما في ذلـك ريب. ولكن كيـف نستـفيـد نحن من فصحـه ان لم نشدد عزائمنـا لنقـوم معـه؟
هذا الأحد وهو الأخير من الصوم نصل فيه الى قمة الحديث عن التوبة، فيما نحن ندنو من الأسبوع العظيم ينتصب أمامنا وجه هذه المرأة الرائعة التي انتقلت من قاع خطاياها إلى ذروة مجدها. تعاطت الفحشاء منذ الثانية عشرة حبا بالفحشاء وليس طمعا بالمال فيما كانت تتقاضاه. مولودة مسيحية في الريف المصري ولكنها انتهت إلى الإسكندرية المدينة المترفة الواسعة حيث كان لها ان تنطلق إلى ملذاتها.
يوما وجدت جمهورا يتراكض إلى البحر وفهمت انه مسافر إلى القدس لإحياء عيد رفع الصليب فخطر لها ان تركب البحر ولا تملك أجرة السفينة. هل كان حجها إلى القدس من باب الفضول ام ان شيئا من مسيحيتها استفاق فيها؟ هنا قررت ان تُسلم نفسها لمن شاء من الركاب لتدفع ثمن الرحلة.
بلغت اورشليم ولكن قوة خفية حالت دون دخولها كنيسة القيامة. تقول سيرتها التي كتبها القديس صفرونيوس بطريرك اورشليم انها رأت من بعد ايقونة والدة الإله ووعدتها بأنها لن تدنس جسدها فيما بعد فسمعت صوتا من السماء يقول: "إذا عبرتِ الأردن تجدين راحة مجيدة". سارت في الصحراء حتى بلغت كنيسة القديس يوحنا المعمدان على نهر الأردن ثم وجدت مركبا صغيرا نقلها إلى الضفة الأخرى فلازمت المنطقة ، و بقيت حوالى نصف قرن كومـة من عظام وشيئًا رقيقًا رقيـقًا من اللحم، تقتات من عشب البرية وتصلي كل الوقت.
بقيت عواصف الميول السابقة تضربها 17 سنة حتى أدركت الهدوء. في ذلك الوقت كان في برية الأردن راهب يدعى زوسيما، والأديرة كانت كثيرة هناك. وكان يظن انه الأكمل بين البشر. غير ان الله اراد ان يبين له من كان اعظم منه. وكانت عادة الرهبان ان يغادروا اديارهم في اليوم الاول من الصوم ليوغلوا في الصحراء كل منهم على انفراد، ويجتمعون أحد الشعانين. وفيما كان يمشي في البادية رأى طيفًا من بعيد وتبين له انه امرأة عارية. خاطبها طالبا ان تقف، فقالت لا استطيع ان استدير اليك فأنا امرأة عارية فإليّ بردائك لاستتر واتمكن من التحدث اليك. فنزع رداءه وألقاه اليها وطرح نفسه على الأرض والتمس بركتها كما التمست هي بركته.
اعترفت بكل ما جرى في حياتها وقالت له ان يعود اليها السنة المقبلة حاملا القرابين المقدسة وعينت له مكان الموعد. فجاء عند الموعد وناولها. وهذا ما نراه في معظم ايقوناتها. وفي السنة اللاحقة جاء ايضا فوجدها ميتة ويداها مصلبتان على صدرها، ووضعها في حفرة ورقدت في سلام الرب في اول نيسان حيث عيدها الأساسي إلى جانب هذه الذكرى.
وضعت الكنيسة هذه الذكرى في آخر احد من الصوم لتقول لنا انه بقي لنا أيام قليلة نلج فيها الأسبوع العظيم المقدس الذي ليس فيه حيرة بين البرّ والشرور، وان أحد الشعانين يؤذن بدخولنا اورشليم اي بلد السلام مع الرب، سلام النفس. وسلام النفس لا يمكن حصوله اذا بقينا مستلذين اية خطيئة، أزِنا كان هذا ام كذبا أم سرقة ام غضبا.
هذا الأحد يوم تصميم على اننا تركنا المرحلة الأولى من حياة مريمنا هذه اي الغياب عن يسوع، لندخل المرحلة الثانية التي نرجو ان تكون الأخيرة وهي ان نلبس المسيح المبارك كليا، بلا تردد، بلا مشاركة لأعدائه، وبلا خلطة مع الظلمة، ليصبح السيد مالئًا كل كياننا الداخلي.
هل أنا اريده وحده؟ هل أنا أجاهد بكل قواي حتى الدم ليكون هو حبي الأوحد؟ هل أعمل بالشهادة والبشارة واللطف والرحمة بالناس وخدمتهم اليومية لأجعلهم جميعًا أسيادًا علي، وهكذا يلتمسون وجه يسوع، ونمشي وراء المعلّم الى اورشليم العلوية التي يسوع مقيم فيها، حتى نبقى له هنا وهناك ونقيم امامه فصحًا أبديًا.
ما لاحَ لي مؤخرا لمّا جاءها الراهب زوسيما ليناولها جسد الرب وجثا أمامها انه لم يستطع الا ان يفعل ذلك لأنـه لم يكن امام مشهد امرأة. كان أمام مشهد نور. وهي طبعًا لم تعرف انها مضيئة إذ ظلت تستغفر كل هذا الزمان وسمّت نفسها خاطئة حتى عـند دنو أجلها.
زانيـة عظيمـة ثم قديسة عظيمـة تلك كانت أمّنـا البارة مريم المصرية في القرن الرابع للميـلاد. أجل دخـلت كنيسـة القيامـة بعـد ان حجـت اليها آتيـة من مصر، وكانت هي اعظـم من كنيسـة القيامة لأن يسوع كان وحده عائشا فيها تناجيه ليل نهار وكانت حافظـة لصلوات الكنيسة والإنجيل استيقظت فيها بعد ان وئدت خطاياها.
القديس صفرونيوس الذي كتب سيرتها في القرن السابع كان يعلم بناء على شهادة الأقدمين انها في فترة اولى قبل حصولها على الهدوء الكامل كانت ذاكرة ذنوبها تُعاودها.
باختصار كلي احببت ان امجد بهذه السطور هذه المرأة العظيمة التي جعلتها الكنيسة في الصوم المقدس نموذجا للتوبة يحتذى به ولتقول لنا ان ما من خطيئة لا تُغفر لان رحمة الله اوسع من كل خطيئة وتذيبها ان اعترفنا بذنوبنا صادقين. ان في الانسان صورة الله كامنة وتتحرك اذا منّ الرب علينا بحنانه. تتحرك عندئذ طاقات الخير فينا وتغمر كمياه الطوفان كل اوساخ المعاصي ولا يبقى فينا الا نور الغفران.
فاذا ما اخذنا نتوب في هذه الأربعينية المقدسة، يزداد نورنا ونمشي مع كل المؤمنين إلى ضياء القيامة، فلا يبقى فينا الا فاعليتها وتصير حياتنا فصحا ابديا.
من احد الفريسي والعشار مرورا بالابن الشاطر حتى يوحنا السلمي وذكر الفضائل انتهاء بمريم المصرية نرى قمم توبة الى جانب آحاد هي ادنى الى التأمل اللاهوتي؛ انما تكمن اهمية مريم المصرية في ان نذكر اننا نحمل عبء الجسد ثقيلا والقلة تنعتق من هذا العبء. غير ان حضور زوسيما في السيرة يذكرنا بأن الذين تحرروا من وطأة الجسد قد لا يتحررون مما هو افتك اعني الكبرياء، كل منا له ضعفه الخاص او ضعفات متعددة، وامام كل هذه الضغوط وداعة المسيح وطراوته. وازاء كل التجارب التي تنتابنا تنتصب صورة مريم المصرية مذكرة بأن الله قادر ان ينشلك من كل نجاسة ويريحك من كل خطيئة مهما ثقلت. المهم الا تستسلم الى اليأس والا تحالف الخطيئة، ان تقول ان المعاصي هي ضد المشيئة الإلهية وان محبة الله معي لكي أفيد منها حتى أَخلص .
قنداق البارة مريم المصرية
لما فررتِ من ديجور الخطيئة مستنيرة بنور التوبة أيتها المجيدة، قرّبتِ قلبك إلى المسيح، مقدّمةً له أمه القديسة البريئة من كل العيوب شفيعة كلية الإشفاق فصادفتِ الابتعاد من الزلات فأنتِ تبتهجين مع الملائكة سرمداً
الأسبوع السادس والأخيرمن الصوم الأربعيني المقدس
هذا الأسبوع الأخير من الصوم نستـعـد فيـه لأحداث ثلاثـة: سبت العازر وأحد الشعـانين والأسبوع العظيم. نستبـق هذا الأسبـوع الـمقـدس بذكـر العازر وصعود الـمسيح الى اورشليم بعد إقامتـه صديقـه. يمرض العازر الثلاثاء، اختاه تبعثان برسل الى الـمعـلم الثلاثاء، يموت الرجل الاربعاء. عرف الـمعـلم ذلـك ليس برسل آخرين ولكـن بسبب من علمه الإلهي ويتقدم الـرب الى بيت عنيا والقوم حزانى. السبت يقام الـميت "الذي أنـتـن"، يدمع الـرب ولكنـه يقيم بصوتـه صديقـه.
تأخذ العبادة الحدث وتفهمه هكذا: "ايها المسيح الإلـه لـما أقمت العازر من بين الأموات قبل آلامـك حققت القيامـة العامـة". اذا كانت إقامـة هذا الرجل ممكنـة صارت إقامتنا معقولـة. ولكن الترتيل يقول شيئا آخر: "قد سبقت يا مخلصي فحققت قيامتك الـمـجيدة لـما اعتقت من الجحيم لعازر" اي هيأت بالأعجوبـة صورة عن قيامتك. الفـرق ان لعازر قام بجسد عادي ثم مات في حينـه واما الـمسيح فقد قـام بجسد نوراني غير قـابل الـموت .
ثم اتخذت الكنيسـة حدث بيت عنيا وذكرتنا انـه علينا بالصيام ان نترك "صداقة الجسد" لنصير أصدقاء الـمسيح، "نحن كنا راقدين رقاد الـلذات وقلبنـا تخترقـه سهام الشياطين، نحن كنا في قبر الكسل وعدم الإحساس، الـمغـلق بباب اليأس، الـرسل الذين بعثـت بهم اختا العـازر هما العمل والتأمل اللذان يحييان العقـل الراقد في القبر كالعازر آخر". وهكـذا يمكن ان نرى انفسنا قـائمين بالتـوبـة والتقشـف .
ثم يأتي احد الشعانين الذي نرتل فيه الطروبارية نفسها التي رتلناها في سبت العازر كأن هذين العيدين عيد واحد ويظهران المسيح الواحد، يظهران ألوهيته في إقامة صديقه وناسوته في ركب الجحش. فاذا طفنا بسعف النخل يوم الأحد نصوّر صعودنا مع الـمسيح الى اورشليم، يا ليت البالغـين وليس فقط الأطفال يحملون الشموع الـمزينـة بالـزهـور. سعـف النخل وأغصان الزيتون هي لقـاؤنا مع الـمسيح بالفضائل التي نلنـاها في الصوم، واذا لم نحصل على ايـة فضيـلـة في الصيام نكـون قضينـاه فـقـط كأنـه حميـة طعاميـة .
ينتهـي الصوم الأربعينـي يـوم الجمعـة مسـاء مـن الأسبـوع السادس . وبين سبت العازر وسبت النـور سنكون في صوم آخر. ننتقـل مـن صوم نسكـي الى صوم مركّز على سـر الشكـر، على جسد الـمسيـح ودمـه، نحـن في انتظار العريس، نرجو الى اللـه ان يؤهلنا لرؤيــة آلامـه .
ثم يأتي أحد الشعانين. في فلسطين كان النساك يعودون الى اديرتهم بعد ان يكونـوا قضوا الأربعين في البريـة. العلمانيون لهم ايضا بريتهم في النفس. هكذا يتـوحد العالم كلـه برجـوع كل واحد منـا الى قلبـه الذي هـو الـمسيح، نمشي لـمقابلـة السيد حامـلين الصليب وممجدين الـرب بالفضائـل حتى يـأتي يوم الدينـونـة الذي نجتمع فيه في حضرة الـمسيح الأخيـرة .
هكذا يحل الأسبوع العظيـم . نذكر فيه آلام الـرب تاريخيا ونحقـقـها في الخدمـة الإلهيـة ونجعـلها دربا الى الحيـاة الأبديـة .
قد نكـون قضينـا الصـوم كلـه بتهاون لا نبالي بالعمـق الروحي الذي كان لنا في الصوم . ممكـن "نلحق حالنـا" في الاسبـوع العظيم؛ فلنمسـك، اذ ذاك، عن الزفر ونجمع حواسنا وفكـرنا في الـمصلـوب ولنشـارك في الصلـوات الـمسائيـة، واذا تبنـا حقيقـة ندنو من جسد الـرب لنصبـح بشرا جددا حتى لا يداهـمنـا العيد عن غير استحقـاق اذ كيـف تنشـد شفاهنـا والقـلب لا ينشـد؟ الـمسيح قام ما في ذلـك ريب. ولكن كيـف نستـفيـد نحن من فصحـه ان لم نشدد عزائمنـا لنقـوم معـه؟
magdeeb- مشرف المنتدى الهندسي
- عدد الرسائل : 690
العمر : 38
الموقع : اليازدية عاصمة العالم
العمل/الترفيه : معماري مع وقف التنفيذ
تاريخ التسجيل : 18/09/2007
مواضيع مماثلة
» ثقافة دينية - الصوم المبارك
» ثقافة دينية - الصوم المبارك (2)
» ثقافة دينية- زمن التريودي (1)
» ثقافة دينية- زمن التريودي (2)
» ثقافة الحب !!!!
» ثقافة دينية - الصوم المبارك (2)
» ثقافة دينية- زمن التريودي (1)
» ثقافة دينية- زمن التريودي (2)
» ثقافة الحب !!!!
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى