لقاء مع الرئيس الأمريكي المنتخب / ناصر الماغوط
صفحة 1 من اصل 1
لقاء مع الرئيس الأمريكي المنتخب / ناصر الماغوط
كان لي الشرف أن أكون أول عربي مسلم يلتقي مع الرئيس الأمريكي المنتخب باراك حسين أوباما بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية الأمريكية التي عمت فرحتها العالم.
ما إن دخلت إلى عنده في غرفته بالفندق الذي كان يقيم فيه حتى شعرت بسعادة بالغة إذ رأيته مرتديا جلابية بيضاء قصيرة لتحت الركبة بقليل، وشنتيان أبيض فضفاض تحتها ويعتمر قبعة بيضاء تفطي قرص رأسه فقط، وفي يده مسبحة عدد حباتها تسعة وتسعون حبة. فبادرته بالتحية التقليدية باللغة العربية: السلام عليكم يا أخي مبارك. فقال لي وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. كيف حالك يا أخي ناصر؟ قلت له الحمد لله الذي منَّ علينا بفوزك في هذه الانتخابات لتكون أول رئيس أمريكي مسلم يعمل على مساندة قضايانا العادلة نحن العرب في العالم. فقال لي محذرا وهو يتلفت حوله: هس.. خفض صوتك كي لا يسمعونا جماعة المخابرات فتخرب بيتنا.
قلت له: بالنيابة عن كل العرب اسمح لي أن أقول لك يا أخي أبا حسين ألف مبروك إن شاء الله تعالى. قال لي وهو يجلس على كرسيه وهو يشير لي أن أجلس على الكرسي المقابل له: طول بالك يا أخ ناصر. أي عرب تدعي التحدث باسمهم وأنا أعلم علم اليقين أن بعضهم قد استاء من نجاحي وكان يفضل ذلك الزنديق جون ماكين حليف الشيطان الأكبر جورج بوش، لكن كوني قد فزت وانتهى، فقد راحوا يتظاهرون بأنهم سعداء. قلت له معترفا: والله ليست بعيدة عنا نحن العرب، على كلّ كلامك صحيح فيما يتعلق ببعض الحكام العرب، لكن أنا هنا أنقل لك نبض الشارع العربي وليس الحكام العربٍ، كن واثقا يا أخي مبارك، أن كل من قابلته من هؤلاء الناس البسطاء وعرف أنني سوف أزورك لأبارك لك بهذا الفوز وهذا النصر للمسلمين قد قال لي بأن هذا الفوز هو أعظم إنجاز لنا في العصر الحديث منذ معركة القادسية واليرموك وفتح الأندلس. وجميعهم طلبوا مني وحلفوني بالله العظيم أن أعبر لك عن سعادتهم التي لا تفوقها أية سعادة أخرى بفوزك، لأنك قريب منا ومن همومنا. لذلك اعلم يا سيدي الرئيس المنتخب، أن كل الآمال معلقة عليك يا أخ مبارك. قال لي: لا تثقل علي يا أخي ناصر ولا تحملني أكثر من طاقتي. قلت له معاتبا: هل بدأت تتنصل منا وتتنكر لوعودك أمام الله وأمام نفسك؟ قال لي: أبدا، لكن ما يخطر على بالي هو السؤال التالي: ترى مع أي عرب تريدني أن أكون؟ قلت: كم عربا تظننا نحن؟ العرب عرب. فتساءل قائلا: بل أرى العرب أعرابا ووطنكم هو أوطان وشعبكم الذين تدعون أنه شعب واحد هو شعوب وموقفكم العربي هو مواقف. بربك يا ناصر - شعرت بسعادة بالغة إذ ناداني باسمي الأول دليل رفع كلفة بيننا - قل لي. هل أنتم العرب صف واحد ورأي واحد وموقف واحد؟ قلت له متذمرا: يا أخي مبارك، كل ما هو مطلوب منك أن تكون مع العرب فقط فتكون مع الحق والعدل. فقال لي: دعني أبسط لك الموضوع وأطرح عليك السؤال التالي: هل حضرتك تمثل عرب السعودية أم عرب مصر أم عرب المغرب أم عرب السودان أم العرب في سورية أم العراق أم الخليج أم المغرب أم الصومال أم جزر القمر؟ تريدني أن أكون مع قضية العرب المركزية كما تقولون؟ طيب. هل أكون إذا مع فتح أم مع حماس؟ مع الجهاد الإسلامي أم الجبهة الشعبية أم الديموقراطية أم القيادة العامة. مع المقاومة الإسلامية والقاعدة أم مع المقاومة الشيعية؟ مع الحكومة اللبنانية أم مع حزب الله؟ مع الأقباط أم مع حسني مبارك؟ مع دارفور أو جنوب السودان أم مع البشير. مع الأمازيغ أم الجزائر والمغرب؟ مع الحكومات العربية أم مع المعارضات العربية؟ واضح يا أخي ناصر بأنه من الصعب علي كرئيس أمريكي أن أتردد لأن المسألة شديدة الوضوح. أنا ببساطة سأكون حيث توجد لنا مصالح، لأن أمريكا ليست جمعية خيرية، وستكون بسيطا وساذجا لو توقعت مني غير ذلك. لهذا أنا من مصلحتي كرئيس أمريكي أن أكون مع إسرائيل على أن أكون مع هؤلاء العرب الهلاميين الذين تعرفهم، وسأكون مع نفط الخليج ضد الدول التي تنتجه حتى لو كانت هذه الدول تهرع إلينا في واشنطن لنيل دعمها وكسب ودها وحمايتها من أعداء وهميين ومن إيران ومن شعوبها ومن جيرانها العرب. بينما إسرائيل بصراحة وبساطة شديدتين، هي دولة واحدة ذات هوية واضحة، وهي تعرف ماذا تريد بالضبط. لها كتلة ضغط عندنا في الولايات المتحدة تمتلك المال والنفوذ الهائل وتؤثر في توجيه السياسة الأمريكية بشكل علني وواضح، بينما أنتم العرب، ومع أن لديكم من المال أضعاف ما لدى اللوبي اليهودي في أمريكا، لكن حكامكم يصرفون هذه الأموال على ملذاتهم وعلى مصالحهم الشخصية ويشترون بها النفوس والضمائر من الأزلام والأعوان ويفسدون في الأرض من حولهم في الوقت الذي يموت فيه الفلسطينيون من الجوع ومن نقص الأغذية والادوية تحت الحصار. رجاء يا أخي ناصر لا تحرجني. ألا تعلم أن الله تعالى قد قال في محكم كتابه "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".
قلت له لقد خذلتني يا أخ مبارك. قال لي: لا أبدا. أنا سأكون رئيس دولة عظمى لها مصالحها. ولو كنتم فعلا متوحدين ولو بالحد الأدنى لضمنت لكم باننا كولايات متحدة وأوروبا وروسيا والصين، جميعنا كنا سوف نزحف على بطوننا باتجاهكم، أنتم سوق كبيرة، ولديكم كل الموارد التي نحتاجها نحن وكل العالم وعلى رأسها النفط. أما بوضعكم الحالي، فللأسف الشديد أنتم الذين تزحفون على بطونكم نحونا. أنتم من هو بحاجة إلى اليابان والصين وأوروبا وأمريكا. تصور مثلا لو أننا قاطعنا استيراد النفط من بلادكم، هل كان باستطاعتكم أن تستخرجوه أصلا؟ كل أعمال التنقيب والاستكشاف نحن من نمتلك الخبراء للقيام بها، وكل الحفارات والمضخات ومحطات استخراج النفط ومصافي تكريره هي من صنعنا نحن في الدول الصناعية. تصور أيضا لو أن الدول المصنعة للطائرات واللسيارات قد قاطعتكم، أما كنتم ستعودون إلى استخدام الحمير والبغال والجمال في تنقلاتكم؟ وتخيل لو أننا قطعنا عنكم تصدير السلاح، أما كنتم ستعودون لاستخدام السيوف والتروس والرماح والخناجر والسكاكين. بل ربما كنتم ستعودون إلى استخدام العصي والحجارة في حروبكم مع بعضكم وبين قبائلكم من أجل المراعي ومصادر المياه لأنكم غير قادرين على استخراج الحديد من باطن الأرض الذي يستخدم في صناعة السيوف والسكاكين، وتصور لو أن كوريا والصين عدا عن اليابان ونحن وأوروبا أوقفنا تصدير الكومبيوترات والتلفزيونات ومحطات الإذاعة لكم، أما كنتم ستعودون لتمضية الوقت في المقاهى بالاستماع إلى الحكواتي وقصصه الخيالية؟
كل ما أنتم عليه من شرذمة وتفكك وتريدني أن أكون معكم أنتم العرب فقط لأن أبي مسلم واسمه حسين أوباما، بينما كل حكامكم هم مسلمون علنا ويزاودون بممارسة الطقوس الدينية ولديهم لجان للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومعظمهم مسمى هو وأولاده وأحفاده وأخوته ومعاونوه على أسماء الأنبياء والصحابة وأسماء أهل البيت الشريف، ومع ذلك هم ليسوا مع شعوبهم ولا مع قضاياهم. ولا أذيع سرا إذا قلت لك يا أخ ناصر بأن الدول العربية الصديقة لأمريكا تأتي لتحرضنا على الدول العربية الأخرى التي يسميها جورج دبليو سي بوش بالمارقة.
ألا تعلم أنه لولا الدعم العربي اللامحدود لما تمكن جورج بوش من إسقاط صدام حسين واحتلال العراق ونهبه وتخريبه أمام أعينكم. طائرات جورج بوش وصواريخه كانت تنطلق من المياه العربية والأراضي العربية، بينما تركيا الغير عربية رفضت مساعدتنا، وماذا فعلنا مع تركيا؟ لا شيء. وتعرف أن الدول العربية هي في حالة حرب غير معلنة مع بعضها. قلت له: لقد سمعت مرارا وتكرارا أنك خطيب مفوه وذكي جدا، وبالتالي من الطبيعي أن لا أستطيع أن أرد عليك، لكن اسمح لي أن أطلب منك أن تجد طريقة ما لتساعدنا ما أمكنك ذلك. هنا ضحك الأخ مبارك ضحكة ساخرة وقال لي: أخي ناصر كأنك لم تفهم شيئا مما قلته. أنت تظن انني كرئيس أمريكي كلي القدرة مثل حكامكم العرب. أنا هنا لست كذلك. قد أكون من الناحية الدستورية على قمة الهرم السياسي، لكن لا تنس أنه يوجد برلمان مؤلف من مجلسين، مجلس النواب ومجلس الشيوخ، وهؤلاء في معظمهم من الموالين لإسرائيل. فلو افترضنا أنني أردت اتخاذ أي قرار ضد إسرائيل، كن واثقا أنني سوف أفشل، لأن معظم النواب هم من المناصرين لإسرائيل، والدستور ليس مفصلا على مقاسي كما هو مفصل على مقاس حكامكم العرب. أنا لا أملك أية صلاحيات تخولني اتخاذ أي قرار ما لم يوافق عليه البرلمان بمجلسيه. وعلى فرض أن البرلمان قد رد طلبا لي، فلا أملك من الصلاحيات لسجن أعضاء البرلمان المعارضين، هنا قاطعته قائلا، لكن إسرائيل تخوفهم وتمارس الإرهاب ضدهم. هنا قال لي: هي بصراحة لا تخوفهم، هي اشترتهم بأموالكم المودعة في مصارفنا التي تنهار هذه الأيام. مارسوا نفس اللعبة إن كنتم شاطرين واشتروا من حر مالكم أعضاء البرلمان عندنا في أمريكا؟ أسسوا مراكز أبحاث ودراسات وعينوا الخبراء الأمريكيين فيها؟ أطلقوا محطات تلفزة وأصدروا صحفا ومجلات ناطقة باللغة الإنكليزية واللغات العالمية الأخرى وخصصوا مواقع لكم على شبكة العنكبوت كما يغعل أنصار إسرائيل عندنا في أمريكا. هل تدركون أهمية ذلك؟ قطعا لا. أنتم لديكم وزارات إعلام عربية موجهة لشعوبكم لإقناعها بسياسات حكوماتها فقط وليس لشرح قضاياكم للعالم بلغة العصر الحديث. بناء على كل ما سبق، وببساطة شديدة أخي ناصر، إذا أردتم أنتم العرب من الولايات المتحدة أن تكون إلى جانبكم، فعليكم ان تمثلوا سياسة داخلية وخارجية واحدة، وأن تكون لديكم مؤسساتكم الدستورية الحديثة المقنعة والحقيقية كتلك الموجودة في دول العالم الحقيقية.
نظر في ساعة يده وقال لي معتذرا أن لديه موعدا مع جورج بوش للتنسيق في موضوع انتقال السلطة. هنا فكرت وتساءلت كيف يستقبل الرئيس بوش شخصا مثل أوباما الذي راح يجوب الولايات المتحدة الأمريكية أثناء حملته الانتخابية وهو يكشف عيوب سياسته ويسخر منه ويفند أخطاءه حتى نشر عرضه ثم يأتي الآن ليقول لي بأن بوش سوف يستقبله؟ وكأنه فهم ما كنت أفكر به، فقال لي: لا تستغرب أخي ناصر، هذه أمريكا، وهذه هي لعبة الديموقراطية التي لا تجيدون اللعب فيها أنتم العرب لأنكم جديين أكثر من اللازم فقط في قضايا السلطة والحكم ولا تسمحون لأحد أن يمزح معكم فيها. أخيرا قال لي: رجاء أخي ناصر ضع نفسك مكاني، ستجد أنك غير قادر على فعل أكثر ما سأفعله لأجلكم أنا أو أي رئيس أمريكي آخر. أنت تعلم أن الله في عون المرء ما دام المرء في عون أخيه. عند ذلك، قلت في نفسي، يجب أن نمضي السنوات الأربعة، ولربما الثمانية القادمة من عمر ولاية هذا الرئيس في الدعاء له أن يهديه الله لنصرتنا، أو أن يقيض لنا الله رئيسا آخر غيره بعد ثماني سنوات يحل لنا مشاكلنا.
المحامي ناصر الماغوط: ( كلنا شركاء ) 18/11/2008
ما إن دخلت إلى عنده في غرفته بالفندق الذي كان يقيم فيه حتى شعرت بسعادة بالغة إذ رأيته مرتديا جلابية بيضاء قصيرة لتحت الركبة بقليل، وشنتيان أبيض فضفاض تحتها ويعتمر قبعة بيضاء تفطي قرص رأسه فقط، وفي يده مسبحة عدد حباتها تسعة وتسعون حبة. فبادرته بالتحية التقليدية باللغة العربية: السلام عليكم يا أخي مبارك. فقال لي وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. كيف حالك يا أخي ناصر؟ قلت له الحمد لله الذي منَّ علينا بفوزك في هذه الانتخابات لتكون أول رئيس أمريكي مسلم يعمل على مساندة قضايانا العادلة نحن العرب في العالم. فقال لي محذرا وهو يتلفت حوله: هس.. خفض صوتك كي لا يسمعونا جماعة المخابرات فتخرب بيتنا.
قلت له: بالنيابة عن كل العرب اسمح لي أن أقول لك يا أخي أبا حسين ألف مبروك إن شاء الله تعالى. قال لي وهو يجلس على كرسيه وهو يشير لي أن أجلس على الكرسي المقابل له: طول بالك يا أخ ناصر. أي عرب تدعي التحدث باسمهم وأنا أعلم علم اليقين أن بعضهم قد استاء من نجاحي وكان يفضل ذلك الزنديق جون ماكين حليف الشيطان الأكبر جورج بوش، لكن كوني قد فزت وانتهى، فقد راحوا يتظاهرون بأنهم سعداء. قلت له معترفا: والله ليست بعيدة عنا نحن العرب، على كلّ كلامك صحيح فيما يتعلق ببعض الحكام العرب، لكن أنا هنا أنقل لك نبض الشارع العربي وليس الحكام العربٍ، كن واثقا يا أخي مبارك، أن كل من قابلته من هؤلاء الناس البسطاء وعرف أنني سوف أزورك لأبارك لك بهذا الفوز وهذا النصر للمسلمين قد قال لي بأن هذا الفوز هو أعظم إنجاز لنا في العصر الحديث منذ معركة القادسية واليرموك وفتح الأندلس. وجميعهم طلبوا مني وحلفوني بالله العظيم أن أعبر لك عن سعادتهم التي لا تفوقها أية سعادة أخرى بفوزك، لأنك قريب منا ومن همومنا. لذلك اعلم يا سيدي الرئيس المنتخب، أن كل الآمال معلقة عليك يا أخ مبارك. قال لي: لا تثقل علي يا أخي ناصر ولا تحملني أكثر من طاقتي. قلت له معاتبا: هل بدأت تتنصل منا وتتنكر لوعودك أمام الله وأمام نفسك؟ قال لي: أبدا، لكن ما يخطر على بالي هو السؤال التالي: ترى مع أي عرب تريدني أن أكون؟ قلت: كم عربا تظننا نحن؟ العرب عرب. فتساءل قائلا: بل أرى العرب أعرابا ووطنكم هو أوطان وشعبكم الذين تدعون أنه شعب واحد هو شعوب وموقفكم العربي هو مواقف. بربك يا ناصر - شعرت بسعادة بالغة إذ ناداني باسمي الأول دليل رفع كلفة بيننا - قل لي. هل أنتم العرب صف واحد ورأي واحد وموقف واحد؟ قلت له متذمرا: يا أخي مبارك، كل ما هو مطلوب منك أن تكون مع العرب فقط فتكون مع الحق والعدل. فقال لي: دعني أبسط لك الموضوع وأطرح عليك السؤال التالي: هل حضرتك تمثل عرب السعودية أم عرب مصر أم عرب المغرب أم عرب السودان أم العرب في سورية أم العراق أم الخليج أم المغرب أم الصومال أم جزر القمر؟ تريدني أن أكون مع قضية العرب المركزية كما تقولون؟ طيب. هل أكون إذا مع فتح أم مع حماس؟ مع الجهاد الإسلامي أم الجبهة الشعبية أم الديموقراطية أم القيادة العامة. مع المقاومة الإسلامية والقاعدة أم مع المقاومة الشيعية؟ مع الحكومة اللبنانية أم مع حزب الله؟ مع الأقباط أم مع حسني مبارك؟ مع دارفور أو جنوب السودان أم مع البشير. مع الأمازيغ أم الجزائر والمغرب؟ مع الحكومات العربية أم مع المعارضات العربية؟ واضح يا أخي ناصر بأنه من الصعب علي كرئيس أمريكي أن أتردد لأن المسألة شديدة الوضوح. أنا ببساطة سأكون حيث توجد لنا مصالح، لأن أمريكا ليست جمعية خيرية، وستكون بسيطا وساذجا لو توقعت مني غير ذلك. لهذا أنا من مصلحتي كرئيس أمريكي أن أكون مع إسرائيل على أن أكون مع هؤلاء العرب الهلاميين الذين تعرفهم، وسأكون مع نفط الخليج ضد الدول التي تنتجه حتى لو كانت هذه الدول تهرع إلينا في واشنطن لنيل دعمها وكسب ودها وحمايتها من أعداء وهميين ومن إيران ومن شعوبها ومن جيرانها العرب. بينما إسرائيل بصراحة وبساطة شديدتين، هي دولة واحدة ذات هوية واضحة، وهي تعرف ماذا تريد بالضبط. لها كتلة ضغط عندنا في الولايات المتحدة تمتلك المال والنفوذ الهائل وتؤثر في توجيه السياسة الأمريكية بشكل علني وواضح، بينما أنتم العرب، ومع أن لديكم من المال أضعاف ما لدى اللوبي اليهودي في أمريكا، لكن حكامكم يصرفون هذه الأموال على ملذاتهم وعلى مصالحهم الشخصية ويشترون بها النفوس والضمائر من الأزلام والأعوان ويفسدون في الأرض من حولهم في الوقت الذي يموت فيه الفلسطينيون من الجوع ومن نقص الأغذية والادوية تحت الحصار. رجاء يا أخي ناصر لا تحرجني. ألا تعلم أن الله تعالى قد قال في محكم كتابه "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".
قلت له لقد خذلتني يا أخ مبارك. قال لي: لا أبدا. أنا سأكون رئيس دولة عظمى لها مصالحها. ولو كنتم فعلا متوحدين ولو بالحد الأدنى لضمنت لكم باننا كولايات متحدة وأوروبا وروسيا والصين، جميعنا كنا سوف نزحف على بطوننا باتجاهكم، أنتم سوق كبيرة، ولديكم كل الموارد التي نحتاجها نحن وكل العالم وعلى رأسها النفط. أما بوضعكم الحالي، فللأسف الشديد أنتم الذين تزحفون على بطونكم نحونا. أنتم من هو بحاجة إلى اليابان والصين وأوروبا وأمريكا. تصور مثلا لو أننا قاطعنا استيراد النفط من بلادكم، هل كان باستطاعتكم أن تستخرجوه أصلا؟ كل أعمال التنقيب والاستكشاف نحن من نمتلك الخبراء للقيام بها، وكل الحفارات والمضخات ومحطات استخراج النفط ومصافي تكريره هي من صنعنا نحن في الدول الصناعية. تصور أيضا لو أن الدول المصنعة للطائرات واللسيارات قد قاطعتكم، أما كنتم ستعودون إلى استخدام الحمير والبغال والجمال في تنقلاتكم؟ وتخيل لو أننا قطعنا عنكم تصدير السلاح، أما كنتم ستعودون لاستخدام السيوف والتروس والرماح والخناجر والسكاكين. بل ربما كنتم ستعودون إلى استخدام العصي والحجارة في حروبكم مع بعضكم وبين قبائلكم من أجل المراعي ومصادر المياه لأنكم غير قادرين على استخراج الحديد من باطن الأرض الذي يستخدم في صناعة السيوف والسكاكين، وتصور لو أن كوريا والصين عدا عن اليابان ونحن وأوروبا أوقفنا تصدير الكومبيوترات والتلفزيونات ومحطات الإذاعة لكم، أما كنتم ستعودون لتمضية الوقت في المقاهى بالاستماع إلى الحكواتي وقصصه الخيالية؟
كل ما أنتم عليه من شرذمة وتفكك وتريدني أن أكون معكم أنتم العرب فقط لأن أبي مسلم واسمه حسين أوباما، بينما كل حكامكم هم مسلمون علنا ويزاودون بممارسة الطقوس الدينية ولديهم لجان للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومعظمهم مسمى هو وأولاده وأحفاده وأخوته ومعاونوه على أسماء الأنبياء والصحابة وأسماء أهل البيت الشريف، ومع ذلك هم ليسوا مع شعوبهم ولا مع قضاياهم. ولا أذيع سرا إذا قلت لك يا أخ ناصر بأن الدول العربية الصديقة لأمريكا تأتي لتحرضنا على الدول العربية الأخرى التي يسميها جورج دبليو سي بوش بالمارقة.
ألا تعلم أنه لولا الدعم العربي اللامحدود لما تمكن جورج بوش من إسقاط صدام حسين واحتلال العراق ونهبه وتخريبه أمام أعينكم. طائرات جورج بوش وصواريخه كانت تنطلق من المياه العربية والأراضي العربية، بينما تركيا الغير عربية رفضت مساعدتنا، وماذا فعلنا مع تركيا؟ لا شيء. وتعرف أن الدول العربية هي في حالة حرب غير معلنة مع بعضها. قلت له: لقد سمعت مرارا وتكرارا أنك خطيب مفوه وذكي جدا، وبالتالي من الطبيعي أن لا أستطيع أن أرد عليك، لكن اسمح لي أن أطلب منك أن تجد طريقة ما لتساعدنا ما أمكنك ذلك. هنا ضحك الأخ مبارك ضحكة ساخرة وقال لي: أخي ناصر كأنك لم تفهم شيئا مما قلته. أنت تظن انني كرئيس أمريكي كلي القدرة مثل حكامكم العرب. أنا هنا لست كذلك. قد أكون من الناحية الدستورية على قمة الهرم السياسي، لكن لا تنس أنه يوجد برلمان مؤلف من مجلسين، مجلس النواب ومجلس الشيوخ، وهؤلاء في معظمهم من الموالين لإسرائيل. فلو افترضنا أنني أردت اتخاذ أي قرار ضد إسرائيل، كن واثقا أنني سوف أفشل، لأن معظم النواب هم من المناصرين لإسرائيل، والدستور ليس مفصلا على مقاسي كما هو مفصل على مقاس حكامكم العرب. أنا لا أملك أية صلاحيات تخولني اتخاذ أي قرار ما لم يوافق عليه البرلمان بمجلسيه. وعلى فرض أن البرلمان قد رد طلبا لي، فلا أملك من الصلاحيات لسجن أعضاء البرلمان المعارضين، هنا قاطعته قائلا، لكن إسرائيل تخوفهم وتمارس الإرهاب ضدهم. هنا قال لي: هي بصراحة لا تخوفهم، هي اشترتهم بأموالكم المودعة في مصارفنا التي تنهار هذه الأيام. مارسوا نفس اللعبة إن كنتم شاطرين واشتروا من حر مالكم أعضاء البرلمان عندنا في أمريكا؟ أسسوا مراكز أبحاث ودراسات وعينوا الخبراء الأمريكيين فيها؟ أطلقوا محطات تلفزة وأصدروا صحفا ومجلات ناطقة باللغة الإنكليزية واللغات العالمية الأخرى وخصصوا مواقع لكم على شبكة العنكبوت كما يغعل أنصار إسرائيل عندنا في أمريكا. هل تدركون أهمية ذلك؟ قطعا لا. أنتم لديكم وزارات إعلام عربية موجهة لشعوبكم لإقناعها بسياسات حكوماتها فقط وليس لشرح قضاياكم للعالم بلغة العصر الحديث. بناء على كل ما سبق، وببساطة شديدة أخي ناصر، إذا أردتم أنتم العرب من الولايات المتحدة أن تكون إلى جانبكم، فعليكم ان تمثلوا سياسة داخلية وخارجية واحدة، وأن تكون لديكم مؤسساتكم الدستورية الحديثة المقنعة والحقيقية كتلك الموجودة في دول العالم الحقيقية.
نظر في ساعة يده وقال لي معتذرا أن لديه موعدا مع جورج بوش للتنسيق في موضوع انتقال السلطة. هنا فكرت وتساءلت كيف يستقبل الرئيس بوش شخصا مثل أوباما الذي راح يجوب الولايات المتحدة الأمريكية أثناء حملته الانتخابية وهو يكشف عيوب سياسته ويسخر منه ويفند أخطاءه حتى نشر عرضه ثم يأتي الآن ليقول لي بأن بوش سوف يستقبله؟ وكأنه فهم ما كنت أفكر به، فقال لي: لا تستغرب أخي ناصر، هذه أمريكا، وهذه هي لعبة الديموقراطية التي لا تجيدون اللعب فيها أنتم العرب لأنكم جديين أكثر من اللازم فقط في قضايا السلطة والحكم ولا تسمحون لأحد أن يمزح معكم فيها. أخيرا قال لي: رجاء أخي ناصر ضع نفسك مكاني، ستجد أنك غير قادر على فعل أكثر ما سأفعله لأجلكم أنا أو أي رئيس أمريكي آخر. أنت تعلم أن الله في عون المرء ما دام المرء في عون أخيه. عند ذلك، قلت في نفسي، يجب أن نمضي السنوات الأربعة، ولربما الثمانية القادمة من عمر ولاية هذا الرئيس في الدعاء له أن يهديه الله لنصرتنا، أو أن يقيض لنا الله رئيسا آخر غيره بعد ثماني سنوات يحل لنا مشاكلنا.
المحامي ناصر الماغوط: ( كلنا شركاء ) 18/11/2008
مواضيع مماثلة
» بدعوة من الرئيس الأسد.. الرئيس سليمان في دمشق اليوم وغداً
» سعر صرف الدولار الأمريكي
» الكساد الأمريكي يهدد اقتصاد الدول النامية
» السيد الرئيس يكرم أبناء الشهداء
» نجوم السامبا يحبطون المخطط الأمريكي ويحتفظون بكأس القارات
» سعر صرف الدولار الأمريكي
» الكساد الأمريكي يهدد اقتصاد الدول النامية
» السيد الرئيس يكرم أبناء الشهداء
» نجوم السامبا يحبطون المخطط الأمريكي ويحتفظون بكأس القارات
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى